آيات المنافق ثلاث
تعريف النفاق وأنواعه النفاق هو أن يُظهر المرء الإسلام، وهو يبطن في داخله الكفر، وسمّي بذلك؛ لأنّه كالذي يمشي في نفقٍ يدخل من بابٍ منه إلى الإسلام، ويخرج من الباب الآخر، وهذا ما وصفه الله -سبحانه وتعالى- في حال المنافقين في قوله: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ).[١][٢] تفسير حديث آية المنافق ثلاث أورد البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان باب علامة المنافق، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤْتمن خان)،[٣] وقد اختلف العلماء في سبب إلحاق البخاري لحديث آية المنافق ثلاث لكتاب الإيمان، فمنهم من قال أنّ المعاصي تُنقِص الإيمان، كما إنّ الطاعة تزيد الإيمان، ومنهم من ذهب إلى أنّ النفاق علامةٌ على عدم الإيمان، فناسب ذكر الحديث في كتاب الإيمان، أو إنّه ذكره في باب الإيمان حتى يُعلم أن بعض النفاق كفر، وبعضه الآخر ليس كفراً، والمقصود في قوله: (آية المنافق ثلاث)؛ فالآية: هي العلامة، وإفراد كلمة آية إمّا أن المراد منها الجنس، أي إن أيّ علامةٍ من الثلاث المذكورة في الحديث تدل على النفاق، أو إنّ علامة النفاق لا تحصل إلا باجتماع الخصال الثلاث، والأوّل أنسب لمنهج البخاري،[٤] وقد ذهب العلماء في تفسير حديث آية المنافق ثلاث إلى خمسة أقوال:[٥] القول الأول: إن المقصود بالحديث هو تشبيه المسلم المتّصف بهذه الأخلاق الذميمة بالمنافق، فالحديث على سبيل المجاز، لا على سبيل الحقيقة، وهذا ما قاله النووي. القول الثاني: إن المقصود بالنفاق في الحديث ما تعلّق به العمل، وليس النفاق الاعتقادي، وهذا ما قاله الإمام القرطبي، ورجّحه ابن رجب، وابن حجر العسقلاني، وهو أرجح الأقوال. القول الثالث: إنّ لفظة النفاق كان المقصود منها الإنذار، والتحذير من ارتكاب هذه الخصال، وهذا ما قاله الخطّابي. القول الرابع: إنّ المقصود بالحديث هو الشخص الذي أصبحت هذه الصفات من سجيّاته، وخُلقه الدائم، لأنّه اعتادها، وتهاون بها، وكأنه استحلّها، ومثل هذا يغلب عليه فساد الاعتقاد. القول الخامس: ليس المقصود بالحديث المسلمين، وإنّما المنافقون الحقيقيون الذين كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ضعَّف هذا القول ابن رجب. إذا حدّث كذب الكذب عملٌ مذمومٌ، وصفةٌ رذيلةٌ من صفات المنافق وشُعب الكفر، وهو دليل على ضعف النفس، وانعدام الثقة، وحقارة الشأن، وهو خُلقٌ ساقطٌ بغيضٌ إلى الله تعالى، وإلى رسوله الكريم، وإلى الفِطَر السليمة الصادقة، يأباه الشرفاء، ويمقته العقلاء، يُهين أصحابه، ويُذلّهم، وهو سبب كل بلاء، فهو السبب في صدّ الناس عن الدين، وتكذيب الأنبياء، وقد ذكره النبي في حديث (آية المنافق ثلاثٍ) للتحذير منه والابتعاد عنه، ويمكن علاجه بما يأتي:[٦] تعريف الكاذب بحرمة الكذب وشدّة عقابه. تعويد النفس على تحمُّل المسؤولية وقول الحق، حتى لو كان في الصدق مشقّة على النفس. المحافظة على اللسان ومحاسبته. استبدال مجالس الكذب وفضول الكلام، بمجالس الذكر وحلقات العلم. العلم بأنّ الكاذب متّصفّ بصفةٍ من صفات المنافقين، وأن يستشعر أن الكذب طريقٌ للفجور، وأن الصدق يهدي إلى الجنة. تعويد الأطفال منذ الصغر على الصدق قولاً وفعلاً. إذا وعد أخلف إن من صفات المنافق أنّه إذا وعد أخلف، وهو على نوعين:[٧] النوع الأول: أن يعدَ شخصٌ شخصاً آخر، ويكون في نيّته أنّه لن يفي بوعده، وهذا أسوأ أنواع الإخلاف بالوعد، ومثال ذلك ما ذكره الأوزاعي: "لو قال: أفعل كذا إن شاء الله تعالى، ومن نيّته أن لا يفعل كان كذباً وخُلفاً". النوع الثاني: أن يعدَ شخصٌ شخصاً آخر، ويكون في نيّته أنّه سيفي بوعده، ثم يبدو له أمرٌ معين، فيخلف بوعده من غير عذرٍ له في الخلف. إذا أؤتمن خان تعتبر خيانة الأمانة من علامات النفاق العملي التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث آية المنافق ثلاث، وخيانة الأمانة غير محصورةٍ في الودائع والأمور المالية فقط، ولكنها شاملةً لكلّ أنواع الخيانة القولية أو الفعلية، كإفشاءٌ الأسرار ونحو ذلك مما يؤتمن عليه الإنسان في تعامله مع من حوله، وقد حذّر القرآن الكريم من الخيانة، ونهى عنها في قوله تعالى: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ)،[٨] وهناك صورٌ للخيانة يجب الابتعاد عنها، لأنها تدلّ على عدم اكتمال الإيمان، كالخيانة بين العبد وربه، وتكون في العبادات والطاعات، والخيانة بين العبد وغيره من البشر، وتكون في مختلف صور المعاملات.[٩] صفات المنافقين أخبرنا الله -سبحانه وتعالى- عن صفاتٍ أخرى للمنافقين -غير الواردة في حديث آية المنافق ثلاث- لنبتعد عنها، ونتجنّبها، ومن هذه الصفات؛ المكر، والخداع، والاعتداء على الناس، والتكاسل، والتثاقل عن الصلاة، والغفلة، وقلّة ذكر الله تعالى، والرياء في الأعمال، فالرياء يدخل في صلاة المنافقين، و في صدقتهم، وحتى في ذكرهم لله تعالى، والتذبذب وعدم الثبات، فهم متردّدون أحياناً مع المؤمنين، وأحياناً أخرى مع الكافرين، فهم لا مع أهل الحق، ولا مع أهل الباطل، إنّما يتنقّلون مع من رَأوْ معه المصلحة والأمان والانتصار، سواء مؤمن أو كافر.[١٠] أنواع النفاق ينقسم النفاق إلى نوعين هما:[٢] النوع الأول: النفاق الأكبر وهو النفاق الاعتقادي، ومعناه أن يظهر الإنسان الإسلام، ويُبطن الكفر، وجميع ما ذُكر في القرآن الكريم من النفاق هو من هذا النوع، وهو النفاق الذي كان منتشراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن الكريم بتكفير أهل هذا النفاق وذمّهم، وبيّن أنّ مصيرهم في الدرك الأسفل من النار، وأنهم بهذا النفاق أصبحوا خارجين من ملّة الإسلام، أعداءً لله ورسوله، وقد وصف الله -سبحانه وتعالى- أصحاب هذا النفاق بشرّ الصفات منها؛ الكفر بالله تعالى، وعدم الإيمان به، والاستهزاء والسخرية من الدين وأهله، والصدّ عن سبيل الله تعالى، والكيد للمؤمنين، واتّخاذهم أعداء، والتفريق بين صفوفهم، وتمزيق وحدتهم. النوع الثاني: النفاق الأصغر وهو النفاق العملي، ومعناه قيام المسلم بعمل شيءٍ من أعمال المنافقين، لكن مع بقاء إيمانه في قلبه، وهذا النوع من النفاق لا يعتبر مُخرِجٌ من الملّة، لكنه وسيلةٌ إلى ذلك، فالمنافق من هذا النوع يكون في قلبه إيمانٌ ونفاقٌ، وإذا أكثر من النفاق أصبح منافقاً خالصاً.