خطر الذّنوب والمعاصي لا شكّ أنّ للذنوب والمعاصي أثرها السيِّئ على الفرد والمجتمع؛ فهي السبب في جلب سخط الله -تعالى- والحرمان من رحمته سبحانه، واستمرار الذّنوب دليل على قرب وقوع العذاب في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ...)،[١] فالشيطان كانت المعصية سبباً في لعنته وسخطه، وهل أُخرِج آدم وحواء -عليهما السلام- من الجنّة إلا بسبب الذّنب؟ وقوم نوح أصابهم الطوفان والغرق بسبب ذنوبهم، وقوم عاد وثمود كلّ ما أصابهم من سخط وصيحة كان بسبب معاصيهم، وهكذا قوم لوط وأتباع فرعون كانت ذنوبهم وصدودهم عن دعوة أنبيائهم سبباً في هلاكهم، لذا ما حلّتْ المعاصي والذّنوب في قوم إلا أهلكتهم.[٢] تعريف الذّنوب الذّنوب هي ترك ما أمر الله -تعالى- به من أوامر، وفعل ما حذّر منه -سبحانه- ممّا جاء الأمر بفعله أو النّهي عن تركه في الأحكام الشرعيّة، سواءً كان قولاً أو فعلاً، ظاهراً كان أو باطناً،[٣] وتُقسَم الذّنوب في الإسلام إلى قسمين؛ صغائر وكبائر، ولكلٍّ منهما مفهوم خاصّ كالآتي:[٤] كبائِر الذّنوب: كلّ ذنب مقترن بوَعيد شديد، أو بعذاب، أو غضب، أو لعنة، أو دخول نار جهنّم. صغائِر الذّنوب: كلّ ذنب عدا الكبائر؛ بمعنى أنّه لم يقترن بوعيد شديد، أو عذاب، أو دخول النار، وتُعرَّف صغائر الذنوب أيضاً بأنّها ما دون الحدّين: حدّ الدنيا، وحدّ الآخرة.[٥] كبائر الذّنوب يظنّ كثير من النّاس أنّ الكبائر سبع؛ وذلك لاشتهار الحديث الوارد عن السبع الموبِقات، فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتَنبوا السَّبعَ الموبِقاتِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ: وما هنَّ؟ قال: الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّم اللهُ إلَّا بالحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ، وقذفُ المحصَناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ)[٦] واجتنِبوا؛ أي: ابتعدوا، والموبقات؛ أي: المُهلِكات؛ دلالةً على ما تفعله بصاحبها من العذاب وغضب الله تعالى، إلا أنّ الكبائر في الحقيقة لا تنحصر بهذا العدد، ولكنّ تخصيص الحديث الشريف بها جاء من باب التأكيد على خطورتها وعظيم فُحشها.[٧] الموبِقات السّبع الموبقات السّبع تبدأ بالشِّرك بالله، وهو أن يجعل المرء مع الله إلهاً آخر، يعتقد أنّه يستحق العبادة مع الله سبحانه، وفعل السِّحر يقتضي أذيّة النّاس وإلحاق الضّرر بهم؛ ومنه التفريق بين الزوجين، وقتل النفس اعتداءٌ على كرامة الآدميّ وحقّه في الحياة؛ فالإنسان بناء الله تعالى، والقتل بغير حقّ يستحقّ فاعله القصاص، وأكل الرّبا أكلٌ لأموال النّاس بالباطل؛ لأنّ فيه زيادةً غير مبرّرة شرعاً على أصل المال، واليتيم أوصى به الإسلام واهتمّ به كثيراً؛ فالاعتداء على ماله اعتداء يُنافي رعاية الإسلام به، ويُناقض الحثّ على كفالته، والتّولي يوم الزّحف هو فِرار من وجه العدوّ، أمّا إذا كان من باب تغيير المواقع العسكريّة أو للتمويه على جيش العدو فلا يدخل ضمن الكبائر، وقذف المرأة المسلمة يعني اتّهامها بفعل الزِّنا وما قارب هذا الفعل، ممّا يؤذي سمعتها.[٨] كبائر أخرى يتبيّن من استقراء النّصوص الشرعيّة أنّ الكبائر لا تقف عند حدّ الكبائر السّبع، إذ يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (هنَّ إلى السَّبعينَ أقربُ منها إلى السَّبعِ)،[٩] وقد أفرد الإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي -المتوفى 748هـ- كتاباً سمّاه الكبائر، وقد ذكر فيه سبعين من كبائر الذّنوب، مُستشهداً بالأدلة الشرعيّة التي تؤكد ذلك، ومنها:[١٠] ترك الصّلاة. منع الزّكاة. إفطار يوم من رمضان من غير عُذر. ترك الحجّ مع القدرة عليه. عُقوق الوالدين. هجر الأقارب. الزِّنا. اللواط. الكذب على الله ورسوله. غشّ الإمام للرعيّة وظلمهم. الكِبر، والفخر، والخيلاء، والعجب. شهادة الزّور. شُرب الخمر. القمار. الغلول من الغنيمة. السّرقة. قطع الطريق. اليمين الغموس. قتلُ الإنسانِ نفسَه. الكذب في أغلب الأقوال. أخذ الرّشوة على الحكم. تشبُّه النساء بالرجال، وتشبُّه الرجال بالنساء. الدّيوث الذي لا يغارعلى أهله. عدم التنزه من البول. الخيانة. التكذيب بالقدر. التجسّس على أحوال الناس. النميمة. اللعن، وكثرة الفُحش في الكلام. الغدر، وعدم الوفاء بالعهد. تصديق الكاهن والمُنجِّم. نشوز المرأة على زوجها. اللطم، والنّياحة على الميّت. أذيّة الجار. نقص الكيل، والذّراع، والميزان. سبّ أحد من الصّحابة رضوان الله عليهم. صغائر الذّنوب كلّ ذنب دون الكبائر هو من الصغائر؛ لذا يصعُب حصرها في عدد، ومن الأمثلة عليها:[١١] استقبال القِبلة ببولٍ أو غائطٍ. إمامة من يكرهُه الناس. خِطبة المسلم على خِطبة أخيه. هجر المسلم، وكثرة الخصومة، واستماع الغيبة. اقتناء الكلب لغير حاجة مُعتبَرة شرعاً. ترك إعفاء اللحية؛ أي حلقُ اللحية دون الإصرار على ذلك، فإن أصرّ صاحبها على حلقها صارت إحدى الكبائر.[١٢] مُكفّرات صغائر الذّنوب من رحمة الله -تعالى- بعباده أنْ شرع لهم كثيراً من الأعمال الصّالحة التي تُكفّر صغائر الذّنوب، أهمّها:[١٣] اجتناب الكبائر، قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا).[١٤] التوبة الصادقة، قال صلى الله عليه وسلم: (التَّائبُ من الذَّنبِ كمن لا ذنبَ له).[١٥] إسباغ الوضوء، والمشي إلى الصلاة، وانتظارها من مُكفّرات الذّنوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلُّكم على ما يمحو اللهُ بهِ الخطايا ويرفعُ بهِ الدرجاتِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ، وكثرةُ الخُطى إلى المساجِدِ، وانتظارُ الصّلاةِ بعدَ الصلاةِ، فذلكمْ الرّباطُ).[١٦] المتابعة بين الحجّ والعمرة، جاء في الحديث الشريف: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعُمرةِ، فإنَّهُما ينفيانِ الفقرَ والذُّنوبَ، كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ).[١٧] صيام شهر رمضان المبارك، قال عليه الصّلاة والسّلام: (من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه).[١٨] الإصرار على الصّغيرة إنّ التّهاون بفعل الصّغيرة، وتكرار فعلها، مع الإصرار عليها، والاستخفاف بسِتر الله -تعالى- للعبد، والمُجاهَرة بها بين النّاس، بل والفرح بها أحياناً، واستصغار شأنها، كلّ ذلك ينتقل بالمعصية من كونها صغيرةً إلى مصافِّ الكبائر بالقول الرّاجح عند العلماء، فالإصرار على المعصية وإنْ كانت صغيرةً ينقل صاحبها بسهولة إلى ارتكاب الكبائر


الذنوب يُعرّف الذنب على أنه الإثم، أو الجرم، أو المصعية، أو ارتكاب أمرٍ غير مشروع،[١] ومن الجدير بالذكر أن الذنوب لا تقاس بحجمها، وإنما تقاس على من اجترأ العبد عليه، فقد قال بلال بن رباح رضي الله عنه: "لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن أنظر على من اجترأت"، ولذلك كلما زاد الإيمان في القلب، زاد الإحساس بقرب الله -تعالى- وعظمته، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ)،[٢] وكلما شعر العبد أن الله -تعالى- معه استحى منه، وكلما استشعر عظمة الخالق رأى الذنب الصغير في حقه عظيماً، وقد بيّن أهل العلم أنه كلما عظم الذنب عند العبد صغر عند الله تعالى، وكلما صغر الذنب عند العبد كبر عند الله تعالى، حيث إن المؤمن ينظر إلى الذنب كالجبل على صدره، بينما يرى المنافق ذنبه كذبابة طردها.[٣] وفي الحقيقة أن للذنوب والمعاصي آثار سلبية خطيرة في الدنيا والآخرة، ويشمل تأثيرها البدن والقلب، ومنها: حرمان العلم، لا سيما أن العلم نور، والمعصية تحرم العبد من ذلك النور، وتفسد العقل وتُذهب نوره، بالإضافة إلى أن تكرار المعاصي يؤدي إلى حبها وأُلفتها، إلى أن يتباهى فاعلها ويجاهر بها فلا يُعافى منها، كما أن المعاصي تورث الذل، وتزيل النعم، وتسبب غضب الله -تعالى- ونقمته، فتحل لعنته على العاصي، وقد تكون المعاصي سبباً للزلازل والخسف، وفساد البلاد والعباد.[٤] الكبائر في الإسلام الكبائر جمع كبيرة، وتُعرّف الكبيرة لغةً على أنها الشيء العظيم، حيث تقول العرب أكبرت الشيء أي استعظمته، ومنها قول الله تعالى: (فَلَمّا رَأَينَهُ أَكبَرنَهُ)،[٥] أي عظّمنه، وبناءً على ما سبق يمكن القول أن الكبائر هي الذنوب العظيمة، وتجدر الإشارة إلى أن أهل العلم قد قسّموا الذنوب إلى صغائر وكبائر، ولكنهم اخلتفوا في حصر عدد الكبائر من الذنوب، حيث قال فريق منهم بأن للكبائر عدد محدد، ولكنهم اختلفوا فيما بينهم في عددها بسبب عدم ورود دليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية يدل على حصر عددها، فمنهم من قال أن عددها أربعة، وقيل إن عددها سبعة، وقيل إنها تسعة، وقيل إن عددها سبعمائة، ورُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: "هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع"، أما الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعدد معين فقد اختلفوا فيما بينهم في الضابط الذي يفرّقون به الكبائر عن الصغائر، ويمكن بيان أقوالهم فيما يأتي:[٦] اتفاق جميع الشرائع على التحريم: حيث يرى أصحاب هذا القول أن الضابط في تحديد الكبائر اتفاق جميع الشرائع على تحريمها، وأن الذنوب التي تحرّمها شريعة دون أخرى تعد من الصغائر، ومما يدل على ضعف هذا القول أن زواج المحارم أو بعض المحرمات من الرضاعة لم يكن محرماً في بعض الشرائع، بالإضافة إلى استحالة تحديد ما اتّفقت عليه جميع الشرائع بسبب عدم وجود عالم بتلك الشرائع على وجهها. ترتّب الحد عليها في الدنيا: حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن الكبائر تشمل كل ذنب يترتب عليه حد في الدنيا، أو عذاب، أو وعيد، أو غضب، أو لعن، أو تهديد في الآخرة، وهذا هو القول المأثور عن السلف. قصد ارتكاب الذنوب: حيث يرى أصحاب هذا القول أن الكبائر ما تعمّد الإنسان فعله من الذنوب، وأنّ ما وقع عن طريق الخطأ أو النسيان يعد من الصغائر، وقد بيّن ابن القيم -رحمه الله- ضعف هذا القول؛ لأن ما وقع عن طريق الخطأ والنسيان والإكراه لا يُعد من المعاصي. كل المعاصي: وهذا القول منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد علّق عليه البيهقي -رحمه الله- قائلاً: "يحتمل أن يكون هذا في تعظيم حرمات الله، والترهيب عن ارتكابها، فأما الفرقُ بين الصغائر والكبائر فلا بد منه في أحكام الدنيا والآخرة على ما جاء به الكتاب والسنة". الاستحلال: حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن الكبائر تشمل الذنوب التي يستحلّها فاعلها؛ كذنب إبليس، أما الصغائر فهي ذنوب المستغفرين كذنب آدم عليه السلام، ومما يدل على ضعف هذا القول، أن استحلال الذنوب يُعد كفراً في حال العلم بتحريمها، ويعذر في حال التأويل والتقليد، أما المستغفر فإن استغفاره يمحو الصغائر والكبائر. أنواع الكبائر في الإسلام تنقسم كبائر الذنوب إلى أنواعٍ عدّة، ويمكن بيان بعض هذه الأنواع فيما يأتي:[٧] كبائر القلوب: وثمّة العديد من الأمثلة على كبائر القلوب، ومنها الكفر: وهو الجحود بوجود الله تعالى، أو إنكار أحد أسمائه وصفاته، أو تكذيب أحد كتبه، أو رسله، ويُعد الكفر من أعظم الكبائر، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّـهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ*خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ)،[٨] ومنها الشرك: وهو صرف العبادة لغير الله تعالى، أو اعتقاد وجود شريك له في الخلق أو الأمر، ويُعد الشرك من أكبر الكبائر، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا)،[٩] ومن الأمثلة الأخرى على كبائر القلوب النفاق، والاستكبار، والسحر، والطيرة. كبائر الجوارح: وينقسم هذا النوع من الكبائر إلى قسمين، الأول كبائر العلم والجهاد، ومن الأمثلة عليها تعلّم العلم لغير وجه الله تعالى، وكتمان العلم، والكذب على الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، وترك الدعوة إلى الله، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك الجهاد في سبيل الله، والتولي يوم الزحف، وموالاة المشركين والاستعانة بهم في القتال، والقتال تحت راية عمياء، والقسم الثاني كبائر العبادات؛ ومن الأمثلة عليها ترك الصلاة، ومسابقة الإمام في الصلاة، والتخلف عن صلاة الجماعة، ومنع الزكاة، وترك الصيام والحج.[١٠] كبائر المعاملات: ومن الأمثلة عليها الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، مصداقاً لقوله عز وجل: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)،[١١] وقوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٢] وقوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،[١٣] وغش الإمام لرعيته، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وَهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عليه الجَنَّةَ)،[١٤] ومن الأمثلة الأخرى على كبائر المعاملات؛ القمار والميسر، وشهادة الزور، والتحايل على الشرع، وغش الناس


الشرك والإيمان إنّ من ضروريّات الإيمان بالله تنزيهه -سبحانه وتعالى- عن الكفؤ والمثيل والنّد والشريك، وعن كونه بحاجة أحدٍ من خلقه، وأنَّ له زوجةً وولداً، وأنه ينتفع بعبادة الناس أو يتضرر من معاصيهم، وإن الاعتقاد بشيءٍ من تلك الأمور يُعتبر مُناقضاً للإيمان القويم ومُنافياً للفطرة السليمة، كما بيّنت ذلك نصوص القرآن الكريم وآياته في العديد من المواضع، ممّا يجعل المرء أبعد عن الله وأقرب للكفر، وإنّ الإيمان بكلِّ تلك الجزئيات مُلازمٌ لقبول العمل، والكفر يوجب إبطال الأعمال والطاعات، فما هو الشِّرك بالله، وما هي أنواعه، وكيف يمكن للمسلم تجنُّب الوقوع في الشرك والشركيَّات. مفهوم الشرك يُعتبر الشِّرك من المُصطلحات كثيرة الترداد في الشريعة الإسلامية، بل حتى في الشرائع الأخرى التي جاء بها الأنبياء الكرام؛ وذلك لما لها من علاقةٍ وثيقةٍ بقبول الإيمان وقوَّته أو ردِّه على صاحبه إن أحدث في دينه ما كان فيه من الشركيّات، ولتعلقه بعلاقة الناس جميعاً مع خالقهم من حيث إفراده بالخلق والإيجاد، أو إشراك أحدٍ معه في خلق الكون أو العبادة بلا وجه حق، وقد بيّنت ذلك جميع الكُتب السماوية التي جاء بها الأنبياء والرسل بالإضافة للقرآن الكريم، وفيما يأتي بيان معنى الشرك في اللغة والاصطلاح: الشرك في اللغة الشِّرك في اللُّغة هو: اتِّخاذ الشَّريك والنِّد، ويكون ذلك بأن يُجعل أحدٌ شريكاً لأحدٍ آخر إمّا من الناس أو غيرهم، ومنه الشركة: حيث إنّ الشركة تقوم على تشارُك مجموعة من الأشخاص بملك عقارٍ واحد، أو مؤسّسةٍ واحدة، ويُقال: أشرك بينهما إذا جعلهما اثنين، أو أشرك في أمره غيره إذا جعل ذلك الأمر لاثنين.[١] الشرك في الاصطلاح للشرك في المعنى الاصطلاحي عدّة معانٍ بحسب النتيجة التي يوصل إليها الشرك، كما أنَّ له معنىً خاصّاً رئيسيّاً حسب المنظور الشرعي للشرك، وبيان ذلك في الآتي:[١] معنى الشرك في الاصطلاح: هو اتّخاذ شريكٍ أو نِدٍّ مع الله -سبحانه وتعالى- في كونه ربَّاً خالقاً مُتصرِّفاً في الكون والخلق، أو في عبادة أحدٍ معه من البشر أو الكائنات أو المخلوقات أو الجمادات، أو في الأسماء والصّفات بإضافة ما لم يُسمِّ به نفسه من الأسماء ولم يتَّصف به من الصِّفات، أو أن يُعطي صفةً من صفات الله أو اسماً من أسمائه لأحدٍ من الخلق، كما فعل اليهود والنصارى وغيرهم من أصحاب الأديان السماويّة. ويُقصد بالنِّد هنا: النًَّظير والشبيه والمثيل لله -سبحانه وتعالى-، لهذا فقد نهى الله -عزَّ وجلَّ- عن اتّخاذ ندٍّ له من الخلق، وذم وبَشَّعَ من يقوم بذلك فيتَّخذ من دون الله أنداداً، ومثال ذلك قول الله سبحانه وتعالى: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).[٢] أنواع الشرك يُقسَم الشِّرك إلى نوعين رئيسين؛ هما الشِّرك الأكبر والأصغر، ويُقسم كلُّ نوعٍ منهما إلى أنواعٍ عدة بحسب درجة الشرك وطبيعته ونوعه، وتوضيح ذلك كالآتي: الشرك الأكبر هذا النوع هو الأهم؛ لما يترتّب عليه من نتيجة ربما توصل المرء إلى النار والعياذ بالله، ويُقسم هذا النوع من الشرك إلى عدّة أنواعٍ بحسب طبيعة الشرك المُندَرج تحته، وبيان ذلك فيما يأتي:[٣] شركٌ في الربوبيّة: هو أن يعتقد المرء بأن هناك شريكاً لله -سبحانه وتعالى-، مُتصرِّفاً في الكون بالخلق والإنشاء والإيجاد والتدبير، وقد ادّعى فرعون ذلك لنفسه، وجاء بيان ذلك في قوله تعالى على لسانه: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)،[٤] فكان إغراقه دليلاً على كذب ادّعاءه، فكيف لربٍ أن يعجز عن إنقاذ نفسه من الغرق؟ فلم يستطع إدراك ما ينتظره ليتفاداه ويُبعد الشرَّ عن نفسه، ومن باب أولى أن يعجز عن إنقاذ غيره وإبعاد الخطر عنهم، ومن كان هذا حاله فإنّه يستحيل أن يكون ربّاً مُتصرّفاً في الأمور. الشرك في الألوهيّة: وهو أن يصرف المرء عبادته أو شيئاً منها لغير الله سبحانه وتعالى، فيجعل في تلك العبادة تقرُّباً من ذلك الشريك، ومثال ذلك عبادة الأصنام والأوثان والالتجاء بالقبور والتوَّسُّل بأصحابها، فيجب على من آمن بالله أن يُعزّز إيمانه، ويُثبّته بأن يصرف جميع عبادته ويجعلها مُتوجِّهةً لما يُرضي الله ويُقرّبه منه، ومن ذلك تقرُّبه إليه بالصلاة وإفرادها له، والصّيام وإخلاصه له، والحجّ والزّكاة وغير ذلك من العبادات، وأن يعتقد أنّ الله لم يدع بينه وبين عباده حاجزاً يمنعهم من الالتجاء إليه مباشرةً، فلا يتوسّل إلى صاحب قبرٍ لأن يوصله إلى الله مهما بلغ صاحب ذلك القبر من العلم والتقوى والوَرَع، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).[٥] الشرك في الأسماء والصفات: وهو أن يعتقد المرء أن هناك من البشر أو الخلق مُتَّصفٌ بصفات الله -عزّ وجلّ- أو واحدةٍ منها، وأنّ اتّصاف ذلك الشخص أو الشيء بتلك الصفة هو كاتِّصاف الله بها، وهو كمن يعتقد أن أحد الخلق يعلم الغيب مثل علم الله عز وجلَّ، أو أنَّ هنالك من الخلق من له من القدرة بحيث لا يستعصي عليه فعل شيء، ولا يقف شيءٌ في وجهه. وقد جمع النبي -عليه الصّلأاة والسّلام- هذه الأنواع بحديثٍ جامعٍ مُختصر، فقد سُئِل مرّةً عن أعظم الذنوب فقال: (أن تَجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَ).[٦] الشرك الأصغر وهذا النوع من الشِّرك هو دون النوع الأول في الدرجة، حيث إنَّ الأول يخرج من الملَّة ويوجب العقوبة على من يعتقد بشيءٍ منه، أما هذا النوع فهو شركٌ أدنى؛ يوجب استحقاق صاحبه للذنب واعتباره من أهل المعاصي، لكنّه لا يخرجه من الملَّة، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا)،[٧] فإن تاب العبد من هذا الذنب قبل وفاته غفر الله له إن شاء، أمّا إن مات ولقي ربه به غير تائبٍ من ذلك الذنب فإن الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذَّبه على قدر ذلك الذنب، ثم يُدخله الجنة إن شاء. من أنواع وأمثلة الشرك الأصغر ما يأتي:[٣] الحلف بغير الله: فإن بعض المسلمين يلجأ من غير قصدٍ أو اعتقادٍ بمنزلة المحلوف به إلى الحلف بغير الله من الخلق أو المخلوقات أو الجمادات، فهو لا يريد بذلك تعظيم المحلوف به لإيصاله إلى درجات الكمال ليبلغ منزلة الله عز وجل في الجلال والعظمة؛ لأن ذلك يُعتبر من الكفر الأكبر الداخل في النوع الأول من الشرك، لكنّه يريد بحلفه إعطاء اليمين صبغةً أقوى ظنّاً منه أنّ الناس ربما يُصدِّقونه بذلك، ومن الأمثلة على ذلك قول القائل: ما شاء الله وشئت، وقد ورد في الصحيح أنّ يهودياً جاء إلى النبي عليه الصّلاة والسّلام فقال: (إنَّكم تندِّدونَ، وإنَّكم تُشرِكونَ تقولونَ: ما شاءَ اللَّهُ وشئتَ، وتقولونَ: والكعبةِ، فأمرَهُمُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ: إذا أرادوا أن يحلِفوا أن يقولوا: وربِّ الكعبةِ، ويقولونَ: ما شاءَ اللَّهُ، ثمَّ شئتَ).[٨] الرياء: وهو أن يقصد العبد بما يقوم به من الطاعات والعبادات عَرَضَ الدنيا، فيقصد من ذلك تحصيل جاهٍ عند ذي سلطان، أو نيل منزلةٍ رفيعةٍ أو درجةٍ وظيفية، وقد نهى النبي -عليه الصّلاة والسّلام- عن الرياء في العديد من النصوص النبويّة، كما جاء النهي عنه في القرآن الكريم أيضاً، وممّا ذكرته السنّة النبويّة في ذلك ما رُوِيَ عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنه قال: (إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصغرُ. قال: وما الشِّركُ الأصغرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: إذا جزى النَّاسَ بأعمالِهم اذهَبوا إلى الَّذين كُنْتُم تُراؤُونَ في الدُّنيا فانظُروا هل تجِدونَ عندَهم جزاءً).[


الزنا يعرّف الزنا الموجب للحد كما قال العلماء بأنه ما "يتحقق بتغييب رأس الذكر في فرج محرم مشتهى بالطبع من غير شبهة نكاح، ولو لم يكن معه إنزال، فإذا اجتمعت هذه المذكورات كلها، وثبتت بإقرار أو بشهادة أربعة شهداء وجب الحد"،[١] وقد وصف الله -تعالى- عباده المؤمنين بالعديد من الصفات، فهم لا يشركون بالله شيئاً، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، والزنا إقامة علاقة جنسيّة ما بين الرجل والمرأة دون عقد الزواج شرعي، وهو أحد الجرائم التي رتَّب عليها الدين الإسلامي إقامة الحد في الدنيا، والخلود في نار جهنم، ما لم يُبدل ذلك بالإيمان والتوبة الصادقة.[٢] وقد أورد القرآن الكريم الزنا في أحد مواضعه مُقترناً بالشرك بالله؛ لما يتسبب به الزنا من اختلاط الأنساب والتعدي على الحرمات، وانتشار العداوة بين الناس، كما جعل الله -تعالى- الزاني المُحصن أحد الثلاثة الذين أحل الله دماءهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: رجلٌ زنى بعدَ إحصانِهِ فعليهِ الرَّجمُ، أو قتلَ عمدًا فعليهِ القوَدُ، أوِ ارتدَّ بعدَ إسلامِهِ فعليهِ القتلُ)،[٣] وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أنَّ الزاني لا يزني وهو مؤمن، لذلك عندما بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، بايعهم على ألا يُشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، يقول الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه: "ولا أعلم بعد قتل النفس ذنباً أعظم من الزنا".[٢] أنواع الزنا الزنا شرٌ كبير، وينجم عنه من الأضرار والمفاسد ما لا يُمكن إحصاؤه، فالزنا يجمع بين فقد الدين والمروءة والفضيلة والغيرة، ويقضي على الحياء من النفوس، ويُسوّد الوجوه، ويؤدي بالقلوب إلى الظلام والوحشة، كما إنَّه يذهب بكرامة من يقع فيه، ويتعدّاه إلى إلحاق العار بذويه، وقد يتولّد عن الزنا في كثير من الحالات ذنوب وجرائم أُخرى، فإذا حملت المرأة من الزنا، فقتلت ولدها، تكون قد جمعت بين الزنا والقتل، أمَّا إذا أدخلته إلى بيتها، فإنَّها بهذه الحالة قد أدخلت عليهم أجنبياً، ينتسب إليهم وهو ليس منهم، ومن الجناية التي يُلحقها الزناة بأولادهم، إنكار الناس لهم وعدم تقَبُّلهم دون ذنبٍ منهم، فالزنا من أبرز الأسباب المؤدية إلى دمار الأُمم والقضاء عليها، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها".[٤] ومن الجدير بالذكر أنَّ جريمة الزنا تتفاوت بحسب ما ينجم عنها من المفاسد والأضرار، فالزنا بحليلة الجار أعظمُ جُرماً عند الله -تعالى- من الزنا ببعيدة الدار، لما في ذلك من إلحاق الأذى بالجار وعدم الاستجابة إلى أمر الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بالإحسان إلى الجار وكف الأذى عنه، كما إنَّ الزنا بزوجة الغازي أشدُّ جرماً من الزنا بغيرها، وزنا المحصن أعظم إثماً من البكر، كما يتفاوت بحسب مكان ووقت وقوعه، فالزنا في شهر رمضان الفضيل أو في البقاع الشريفة والأراضي المُقدَّسة أعظم منه فيما سواها.[٤] كما إنَّ زنا المحارم من أقبح أنواع الزنا؛ لما فيه من فساد الفطرة وانتكاسها، ولا يقع هذا النوع إلا من فاسد الطبع، وللفضائيات الداعية إلى الرذيلة والفساد من أغانٍ هابطة تُبرز المفاتن، ومسلسلات ماجنة تُعلِّم الناشئة طرق الوصول إلى الفاحشة والرذيلة دور كبير في انتشار هذا النوع من الزنا، كما إنَّ عدم الامتثال إلى أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- والتساهل في عدم التفريق بين الأبناء في المضاجع، وتهاون النساء في اللباس أمام محارمهنَّ، ومجالسة رفقاء السوء، وضعف الإيمان، من أسباب وقوع هذا النوع القبيح من الزنا،[٥] لذلك حرَّم الله -تعالى- جميع الأسباب التي تؤدي إلى الزنا، فقال تعالى: (وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلًا)،[٦] ويحرم الزنا مع جميع النساء مهما كان معتقدهنَّ، وإثم زنا المغتصبة يفوق إثم الزنا بالمطاوعة، أمَّا من زنا بزوجة من خرج مجاهداً في سبيل الله، فإنَّه يؤتى به يوم القيامة ويُقال للمجاهد خذ من حسناته ما شئت.[٧] حد الزنا يُروى أنَّه أتى ماعز بن مالك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقرَّ بالزنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلَّكَ قَبَّلتَ، لعلَّكَ لَمَستَ، قال: لا، قال: فلعلَّكَ، قال: نَعمْ)،[٨] فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك بإقامة الحد عليه بالرجم، ويُستفاد من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-أنَّ ما يوجبُ حدّ الزنا هو الإيلاج، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنَّ رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: وجدت امرأة في البستان فأصبت منها كل شيء غير أني لم أنكحها، فافعل بي ماشئت، فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنَّ الحسنات يذهبن السيئات، أمَّا عن التوبة، فليس بينها وبين المسلم شيء مهما كان الذنب،[٩] ومن المعروف أنَّ حد الزنا لا يثبت إلا بوجود أربعة شهود، أو الإقرار بالفعل، وحد الزاني المحصن هو الرجم حتى الموت، أمَّا البكر فيجلد مائة جلدة.[١٠] الوقاية من الزنا دعا الدين الإسلامي إلى الزواج، فهو الوسيلة الوحيدة لتصريف الغريزة الجنسية وحفظ النسل، كما رتَّب الإسلام للوقاية من الوقوع في الزنا عدة أُمور منها: الحرص على غض البصر من الرجال والنساء، والالتزام بالحجاب الشرعي كما ورد في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع تعاهد القلب بالطاعات؛ حتى يبقى دائم الوصل بالله تعالى، ونهى الإسلام عن الاختلاط والتبرج، وخلو المرأة بالرجل الأجنبي عنها، وخضوع النساء بالقول، وغير ذلك مما يدعو الى الرذيلة ويثير الغريزة، يقول تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا).[


أثر الذُّنوب والمعاصي تميَّزَ الإنسانُ عن غيرِه من الكائناتِ بِنعمةِ العقلِ الذي هو مِنحةُ اللهِ للتّفسيرِ والتَّحليلِ والاختيار، فكانَ التَّكليفُ للإنسانِ مُرتبطاً بِوعيِهِ وتمييزِهِ وحُضورِ عَقلِه، فما كانَ من الأعمالِ بِغيابِ العَقلِ فلا ميزانَ له، وإنَّما تُقاسُ الأعمالُ بتحقُّقِ الرُّشدِ والتَّمييز، فتُفرَضُ الفُروضُ وتُستَرُ العوراتُ وتوظَّفُ القُدُراتُ وتُقبَلُ العُقود. وقد جُبِلَ الإنسانُ في خَلقِهِ على حبِّ الدُّنيا والإقبالِ عليها وعلى شَهواتِها، وهذا الطَّبعُ البَشريُّ أمرٌ فِطريٌّ لا قِبَلَ للإنسانِ بكبحِهِ أو التطهُّرِ منه والتَّداوي من تأصُّلِه، إلَّا أنَّهُ يَملِكُ اختيارَ البُعدِ عنهُ والتعفُّفِ عن حرامِهِ والتنزُّهِ عن آثامِه، ذلك أنَّ الله ما حرَّمَ من الشَّهواتِ إلَّا خبيثُها، وما حرَّمَ منها إلَّا أبدَلها بطُهر، فيختارُ المُكلَّفُ ما يشاءُ بالحلالِ فيجُزى، ويختارُ بالحرامِ ما يشاءُ فيُجزى، فلا يَخلو آدميٌّ من الذُّنوبِ والمَعاصي، مهما تدافعَ إلى الابتِعادِ عنها، وفي سيرةِ الرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطًّائينَ التَّوَّابونَ).[١] وفي البعد عن الممعاصي شُمولٌ بلا استِثناء، وإنَّما كانَ ذلِك لِعلمِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِفطريَّةِ هذا الأمر وتميِّزِ البَشَرِ به، ولولاهُ لكانوا مَلائكةً مَنزوعي الشَّهوةِ، وإنَّما ذلكَ إبتِلاءٌ واختِبار، وفي قولِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: (والذي نفسي بيدِهِ لو لم تُذنبوا لَذَهَبَ اللهُ بكم، ولَجاء بقومٍ يذنبون، فيستغفرون اللهَ، فيغفرُ لهم)،[٢] وهو تأكيدٌ للضعفِ الإنسانِ وانسياقِهِ للمعاصي والذُّنوب، لِتُعمِلَ في إيمانِه ما يُشوِّشُ عليهِ بَصيرَته، ثمَّ يَتوبُ فيَجلي ما تعلَّقَ بهِ من غُبارِ الذُّنوب، وليسَ في ذلك تبريرٌ للوقوعِ في الخَللِ أو الإقبالِ على المعاصي، إنَّما يُرادُ به الإكثارُ من التَّوبةِ وإلتزامُها، وتَبديلُ القبيحِ بالحَسن.[٣] كبائر الذّنوب تَختَلِفُ الذُّنوبُ والمعاصي في وَقعِها في النَّفس وفي نتيجَتِها والأضرار المُترتِّبة عليها، ومهما كان، فإنَّها تَشتَرِكُ في كونِها خطأ العَبدِ لِمقامِ ربِّه، ويَتَّفِقُ العُلماءُ على تصنيفِ الذّنوبِ في صنفينِ؛ ذنوبُ الصَّغائِرِ، والكبائر، وفي أسمائها دلالاتٌ تقودُ إلى المَعنى، فالكَبائرُ جمعُ الكبيرة، ومعناها العظيمُ من الذُّنوب، وفي ذلكَ تعظيمٌ لأمرِها وتنبيهٌ لِخطَرِها وما يَترتَّبُ عليها أو يَجنيهِ العَبدُ مِنها، وقَد ذَكَرها اللهُ تَعالى في القرآن الكريم فقال: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾،[٤] فدلَّ ذِكرُها على صِحَّةِ تصنيفِ الذُّنوبِ إلى كبائِرَ وصَغائِر، وكُلُّها في مقامِ اللهِ كبيرة، إلاَّ أنَّ بَعضَها يتَّصِفُ بالصِّغرِ نظراً لما هو أكبَرُ منهُ، فالقَتلُ أكبَرُ من السِّحر، والشِّركُ أكبرُ من القتل، وفي قولِ العُلماء أن لا كبيرةَ مع الاستِغفارِ ولا صغيرةَ مع الإصرار، وأمثلُ الأقوالِ في تعريفِ الكَبائر أنَّها ما يَترتَّبُ عليهِ حدُّ في الدُّنيا أو وعيدٌ في الآخرةِ أو غضبٌ أو تهديدٌ أو لَعن، ومع اختِلافِ العلماءِ والفِرقِ في مفهومِ الكَبائر، يبقى هذا القولُ أمثَلَ ما قيلَ في تعريفها؛ لسلامتِهِ من القوادِحِ الواردةِ على غيرِه، ولاشتِهارِهِ عندَ السَّلف.[٥] ماهي الكَبائر قيلَ في الكبائِرِ أنَّها ما اختُتِمَ بعدَ ذِكرِهِ بنارٍ أو لَعنةٍ أو غَضبٍ أو عَذاب، وقيلَ فيها أقوالٌ كثيرةٌ، منها أنَّها ما اتَّفقت الشَّرائعُ على تجريمِه، أو هي ما عُصِيَ الله به، أو هيَ ذُنوبُ العَمد، وقيلَ هيَ ما استَباحَهُ العَبدُ بقصدٍ، وقيلَ الشِّرك كبيرةٌ وما عداهُ صغائر، وأبرزُ ما اجتَمعَ عليهِ السَّلَفُ في فَهمِ الكَبائرِ وتَعريفها أنَّها ما يُوجِبُ الحدّ في الدُّنيا والسَّخطَ في الآخرة، وما أتبَعَهُ اللهُ بالوَعيدِ والغَضبِ والتَّهديدِ واللَّعن. أمَّا تِعدادُها فقيلَ فيه أيضاً أقوالٌ كَثيرة، فقيلَ بِحصرِها بأعدادٍ معلومة، وفي ذلك قيلَ أربَع، وقيلَ سبع، وقيلَ تسع، وقيل إحدى عَشر، وزادَ آخرونَ بقولِ إنَّها أقرَبُ إلى السبعمائةِ من السَّبع، وذلكَ قولُ ابن العبَّاسِ رضي الله عنه، وفيها قالَ آخرونَ بأنَّها لا تُحصَرُ بِعددٍ، واستَندوا بذلك لِعدَمِ وجودِ دليلٍ من القرآنِ والسُّنةِ يُفيدُ حَصرها في عددٍ.[٦] وقد أتت الأحاديثُ بِتِبيانِ بَعضِ الكَبائِرِ والإشارةِ إليها، ومن ذلك تِسعٌ أخبرَ عنها سيَّدُ البشريَّة، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حجَّةِ الوداعِ (إنَّ أولياءَ اللهِ المصلُّون ومن يقيمُ الصَّلواتِ الخمسَ الَّتي كتبهنَّ اللهُ عليه، ويصومُ رمضانَ، ويحتسِبُ صومَه، ويؤتي الزَّكاةَ محتسبًا طيِّبةً بها نفسُه، ويجتنبُ الكبائرَ الَّتي نهَى اللهُ عنها. فقال رجلٌ من أصحابِه: يا رسولَ اللهِ، وكم الكبائرُ؟ قال تسعٌ، أعظمُهنَّ الإشركُ باللهِ، وقتلُ المؤمنِ بغيرِ حقٍّ، والفِرارُ من الزَّحفِ، وقذفُ المُحصَنةِ، والسِّحرُ، وأكلُ مالِ اليتيمِ، وأكلُ الرِّبا، وعقوقُ الوالدَيْن المسلمَيْن، واستحلالُ البيتِ الحرامِ قِبلَتِكم أحياءً وأمواتًا. لا يموتُ رجلٌ لم يعملْ هؤلاء الكبائرَ، ويقيمُ الصَّلاةَ، ويؤتي الزَّكاةَ إلَّا رافق محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بحبوحةِ جنَّةٍ أبوابُها مصاريعُ الذَّهبِ).[٧] :[٦] وقد صحَّ عن رَسولِ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ذكرُ الشِّركِ بالله كأعظَمِ الكَبائرِ عند الله؛ وذلك لِكونِه الذَّنبُ الذي لا يُغفرُ بغيرِ التَّوبةِ منه والبراءة، ثمَّ أتبَعَ ذلكَ قتلَ الوَلدِ خشيَةَ الفَقرِ أو المشاركةِ في الإنفاق، ثمَّ الزِّنا بزوجةِ الجار، (قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الذنبِ أكبرُ عندَ اللهِ؟ قال: أن تَدعوَ لله ندًا وهو خلَقَك. قال: ثم أيُّ ؟ قال: ثم أن تَقتَلَ ولدَك خشيةَ أن يَطَعَمَ معك. قال: ثم أيُّ؟ قال: ثم أن تُزانِيَ بحليلةِ جارِك. فأنزلَ اللهُ- عز وجل- تصديقَها : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك. الآية).[٨] وزادَ في ذلكَ ابن العبَّاسِ رضي الله عنهُ الفِرار يوم الزَّحف، وزادَ عبداللهِ بن عمر رضي الله عنه عقوق الوالدين.[٩] وفي صحيح أبي داوودَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ: (اجتنِبوا السَّبعَ الموبقاتِ. قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، وما هنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحرُ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذفُ المُحصَناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ).[١٠]والموبِقاتُ هي المُهلِكات، فهي الكفيلةُ بمصاحبةِ فاعِلها حتَّى تطرحه إلى النَّار. وفي ذِكر هذهِ السَّبعُ اشتراكٌ في التعدِّي من أذى الذَّاتِ إلى إلحاقِ الضَّررِ بالغيرِ، وفيها فَسادُ المُجتمعِ وخرابه، وإفشاءُ الظُّلمِ وهوانُ الحقَّ، فتختلِطُ المَفاسِدُ فيهِ لِتعمِلَ فيه التَّفكُّكَ والضَّعف.[١١] وقَد توسَّعَ بعضُ الأئمةِ في ذكرِ الكَبائرِ مُستَندينَ لكونِها غيرَ محصورةٍ بِعدد، وفي ذلك ما صنَّفهُ محمد بن عبد الوهَّابِ في كتابِه الكبائر، فقسَّمها في مُستَوياتِ الضَّعفِ في ما يستَقرُّ في القَلبِ، أو ما يَنطَلِقُ بهِ اللسان، أو ما يتعلَّقُ بالمظالم، وذكر أكبَر الكَبائر مُستدلاً بحديثِ الرَّسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام، فَحصَرَ أكبَرها بالشِّركِ، وعقوق الوالدينِ، وشهادة الزُّور


الحلال والحرام مع تعدُّد الدِّياناتِ وتعاقُبِها ومرورِ الرُّسلِ واستخلافِهم كانت تَظهرُ مجموعةٌ من القوانينِ والتَّعليماتِ النَّاظمةِ لحياةِ النَّاس والمُرشدةِ لهم، لتمثِّلَ دساتيرَ إلهيَّة تدلُّ الناس إلى ربِّهم، وتُعلِّمهم كيف يعبدونه ويلتزمون أوامره ويقيمون حدوده، وفي مجمَلِ هذه الدَّساتير تشريعاتٌ تُحلُّ أموراً مما استمرأها النَّاس واستحلُّوها ووجدوا فيها الخير، وتُحرِّمُ الخبيث والفسقَ وما يسوق الظلم والجور والاختلافات والغبن والفساد، ذلك أنَّ الله ما كانَ ليشرعَ للنَّاسِ حلالاً فيهِ خبثٌ ولا يُحرِّمَ عليهم طاهراً أو أمراً طيِّباً، وكانَ ذلكَ مما اتَّصَفَ به ربُّ العزَّةِ جلَّ وعلا، ففي الحديث الشَّريفِ: (يا أيُّها الناسُ إنَّ اللهَ طيِّبٌ ولا يقبلُ إلا طيبًا وإنَّ اللهَ أَمَرَ المؤمنين بما أَمَرَ به المرسلينَ).[١] وكانَ مما أجمعت الدِّيانات على تحريمه ومُعاقبة مرتكبه فاحشة الزِّنا التي تورِّث المجتمع آفاتٍ وبلايا وأمراض ماديّة جسديّة ومعنوية أخلاقيَّة[٢][٣]. الزنا يُفيدُ مصطلح الزِّنا في اللغةِ عدَّة معانٍ منها الضِّيقُ والارتفاع؛ فيقالُ زنأ في الجبل إذا صعده وارتفع فيه، أما معنى الزِّنا في اصطلاح الشَّريعة والفقهاءِ فمتعلِّقٌ بفعلٍ يجتَمِع عليهِ آدميانِ رجلٌ وامرأةٌ بغيرِ شبهةِ زواجٍ أو عقدٍ صحيحٍ فيلتقي الختانانِ ب إيلاج الفرج بالفرجِ. يجتَمِعُ جمهورُ العلماءِ على تعريفهِ بأنَّهُ وطء المرأةِ من القُبُلِ شرط تغييب الحَشَفة دون شبهة استحلالٍ كالزَّواجِ المبيح للاستمتاع أو ملكِ اليمين أو غيرها ممّا يؤذنُ فيه للرجل إتيانُ المرأة، واستثني من التَّعريفِ إتيان المرأة من دبرها لاختلافِ الفعلِ والحدِّ مع تحريم كلا الفعلين، وفي الآيةِ الكريمةِ (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً )[٤]نهيٌ عن الفعلِ وتقبيحٌ.[٥][٦][٧] الزِّنا المجازيّ يشتمل تعريف الزِّنا على مُقدِّماتِه ومُقوِّماتِه من إطلاقِ النَّظر أو استماع المُحرَّمِ أو طلب الحرامِ أو لمس جَسدِ المرأةِ وتقبيلها وإتيانها في فمها وغير ذلك مما يتضمَّنُ مُخالطةَ الأجنبيَّةِ والخلوةُ بها بصورةٍ غير شرعيَّةٍ، ودليل ذلك (حديثُ رسولِ اللهِ عليه الصَّلاة والسَّلام: كتب على ابنِ آدمَ حظُّه من الزنا فهو مدركٌ ذلك لا محالةَ، فالعينانِ تزنيانِ وزناهما النظرُ، والأذنانِ تزنيانِ وزناهما السمعُ، واليدان تزنيان وزناهُما البطشُ، والرِّجلانِ تزنيانِ وزناهُما المشيُ، والقلبُ يتمنى ويشتهي، والفرجُ يصدقُ ذلك أو يكذبُه)[٨][٩] لا يشتمِلُّ الحدُّ على غير الزِّنا الحقيقي المشروط بإيلاجٍ وتغييبٍ للحشفة أو جزءٍ منها داخل القُبُلِ ولو كانَ ذلِكِ بوجودِ ساترٍ كاللِّباسِ فإنَّهُ يوجِبُ الحدَّ، أمَّا ما يَتمتَّعُ فيهِ الرَّجلُ بامرأةٍ أجنبيَّةٍ لا تحلِّ له من غير إيلاجٍ فإنَّهُ من الزِّنا الظَّاهِر أو المجازيّ الذي لا يوجبُ الحدَّ ويقتضي التَّوبة كونه لم يستوف شرط الإيلاج، والعلَّةُ في ذلك أنَّ حدَّ الزِّنا معنيٌّ بموضِعِ الحرثِ حفظاً للأنسابِ ودرءاً لاختلاطها وانتشار المفاسدِ الناتجة عنها، ويحسن وصف هذه الأعمال بأنَّها من اللَّممِ، وهو ما يأتيهِ المرءُ من الفواحِشِ دونَ الزِّنا الموجبِ للحدِّ لما جاء في شرح ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما في تفسيرها.[١٠][١١][١٢] شروط تحقق الزِّنا كفِلَ الإسلامُ إقامةَ العَدلِ لجميعِ النَّاسِ حتَّى الظالم منهم، ولم يجعل إنفاذ الحدود وتطبيق العقوباتِ غايةً لذاتِه؛ بل جعلها تربيةً للنَّفس وتهذيباً للمجتمع ودرءًا للفتن والمفاسِد المُترتِّبةِ على استباحة الحرام والتعدِّي على حدود الله، ومع تصنيفِ الإسلام للفاحشةِ المصطلحِ عليها بالزِّنا كان لزاماً تبيان الوجه الصريحِ لحدوثِ الحالة وتحقُّقها خروجاً من دوائر الوهم والتَّشكيك، فغلَّظَ العقوباتِ على القذفِ بالزِّنا وسَتَر الفعلَ ولو صريحاً ما لم يشهد عليه أربعة من العدولِ الثِّقات، وقد بيَّن الإسلام أن للزِّنا شروطاً لا يتحقُّق إلا بها: تعمُّدُ الزِّنا بالإيلاج مع العلم بحرمته، وينبغي لتحّققِ العمدِ بالشيء وقصدِه حضورِ عنصرين هما العلم بحاله وحلاله أو حرامه وعقوبته وحدوده وصوره، ثم إرادة الفعلِ والنيَّةُ في تحقيقه والسَّعي في طلبه، وحالَ اجتماع العنصرين تكتمل أركان الشرط الأول. وطء القُبُلِ تحديداً بإدخالِ حشفةِ الذَّكرِ أو مثلها في فرج الأنثى.[١٣] إذا اجتمعَ الشَّرطانِ معاً تحقَّقَ الزِّنا وأوجب الحدّ، وإن انتقض أحدهما فلا يوجب الحدَّ كأن يطأ الرَّجل امرأةً أجنبيَّةً ظنَّها زوجته أو العكس، ففي مثل هذه الحالات لا يتحقَّق الزِّنا لغياب الشَّرطِ الأوَّل المبنيِّ على الإرادة، أو كأن يقصد الرَّجل وطأ أجنبيَّةٍ ثم يعودُ بالمداعبةِ دون الإيلاج مهما بَلغت فلا يتحقّق الزِّنا لانتقاضِ الشَّرط الثاني. عقوبة الزِّنا ميَّزت الشريعة الاسلاميةُ عقوبة الزَّاني تبعاً لحاله إن كانَ بكراً أو ثيِّباً مُحصناً، وحكَمت بالتَّشديدِ على المحصَّنِ فقضى عليهِ الشَّرعُ بالرَّجم ذكراً كان أو أنثى، ويكون الرَّجمُ بالرَّمي بالحجارةِ حتَّى الموت، يسبقها عند بعض الأئمة جلده، أما البِكرُ فله الجلدُ ذكراً كان أو أنثى، ويُجلَدُ البِكرُ مائة جلدةٍ ردعاً وتعزيراً من غير كسرٍ ولا إحداثِ علَّة، ويزيدُ بعضُ الأئمَّةِ فيها تغريبُ عامٍ للذَّكرِ عن مُستقرِّهِ أو قريتهِ، فيما تُغرَّبُ الأنثى مسيرة ليلةٍ خارجَ بيتِها. أورَد القرآنُ عقوبةَ الزِّنا في غير موضعٍ من آياته، منها: (قول الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)[١٤]وكانت هذه الآيةُ ناسخةً لآيةِ عقوبتي الحبسِ والإيذاء اللتين سبقتاها في سورة النِّساء، فيما تُعاقَبُ المملوكةُ بنفس حدِّ الحرَّةِ تحقيقاً لما ورد في سورة النِّساء في حدِّ الأمة، (قال تعالى: فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ)[


حكم الربا أصل الربا أن أهل الجاهلية كانوا يزيدون في الدّيْن عند حلول أجله، وبمجيء الإسلام حُرّم الربا،[١] وورد التحريم في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع العلماء، ومن استحلّه خرج من ملّة الإسلام، فمن أنكر أمراً أجمع العلماء عليه إجماعاً ظاهراً عُدّ كافراً، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين، والجاحد لها كافرٌ بالاتفاق"، ومن الأدلة الواردة في تحريم الربا قول الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)،[٢] كما رُوي عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- أنه قال: (لعَن آكِلَ الرِّبا وموكِلَه وشاهدَيْه وكاتبَه).[٣][٤] تعريف الربا تعريف الربا لغةً يعرّف الربا في اللغة بأنه الزيادة، فيقال: أربى فلانٌ على فلان؛ أي زاد عليه، ورَبا الشيء؛ أي زاد عن الأصل الذي كان عليه، فهو يربو ربواً، ويقال للمنطقة المرتفعة عن الأرض وغير المستوية مع الأرض رابية؛ بسبب عظمها وارتفاعها، ويقال: فلانٌ في رباوة قومه؛ أي إنه صاحب رفعةٍ وشأنٍ في قومه، والأصل في الربا الأناقة والزيادة.[٥] تعريف الربا اصطلاحاً عرّف الفقهاء الربا بعدّة تعريفات؛ فقال كل من المالكية والشافعية بأنه العقد الذي يتمّ على عِوضٍ مخصوصٍ دون علم التماثل في معيار الشرع عند العقد، أو بتأخير كلا أو أحد العوضين، وعرّفه الحنفية بأنه الفضل الخالي عن العوض بمعيارٍ شرعيٍّ بشروطٍ لأحد المتعاقدين في المعاوضة، وعرّفه الحنابلة بأنه الزيادة في أشياءٍ مخصوصةٍ.[٦] أنواع الربا يتفرّع الربا إلى نوعين، بيانهما فيما يأتي:[٧] ربا الديون: ويقصد به الزيادة في الدّيْن مقابل الزيادة في الأجل والمدّة، وهو النوع الذي حُرّم بنص القرآن الكريم، وهو ما كان شائعاً في الجاهلية، وهو النوع المشهور من أنوع الربا، وأشدّها وأخطرها. ربا البيوع: ويقصد به بيع الأموال الربوية بعضها ببعض، وتشمل: الفضة، والذهبن والبر، والتمر، والملح، والشعير، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلَّا سَواءً بسَواءٍ، والفِضَّةَ بالفِضَّةِ إلَّا سَواءً بسَواءٍ، وبِيعُوا الذَّهَبَ بالفِضَّةِ، والفِضَّةَ بالذَّهَبِ كيفَ شِئْتُمْ)،[٨] ويتفرّع ربا البيوع إلى نوعين؛ هما: ربا الفضل: ويقصد به الزيادة في أحد العوضين عن الآخر عند بيع مال ربوي بمالٍ ربويٍّ آخر، على أن يكونا من جنسٍ واحدٍ، مثل بيع الفضة بالفضة مع الزيادة في أحدهما؛ فلا يجوز ذلك البيع إلا إن كان كلا العوضين متماثلين، وأي زيادةٍ تطرأ على أحدهما جعل البيع محرّماً. ربا النسيئة: ويقصد به التأخّر في قبض أحد العوضين في بيع الأموال إن اتّحدا في العلة، فيجوز التفاضل في بيع الذهب بالفضة على سبيل المثال، أو الفضة بالذهب، أو عملة بعملةٍ أخرى، وتجوز الزيادة ويجوز النقص في العوضين، ولكن العلة أن يتمّ التقابض في مجلسٍ واحد. الحكمة من تحريم الربا تترتب على الربا العديد من المضارّ الاجتماعية والاقتصادية، وفيما يأتي بيان عددٍ منها:[٩] انتشار التعامل بالقروض الاستهلاكية، وهي القروض التي يأخذها أصحاب الدخل المتوسّط أو المعدوم بغرض سداد حاجاتهم والخروج من الضوائق الواقعين بها، إلا إن الفوائد المترتبة عليها كبيرةٌ جداً، مما يؤدّي إلى تمكين أصحاب الأموال من الاستبداد بالفقراء وأصحاب الحاجات، وقد يؤدّي أيضاً إلى سلوك الطرق السيئة وارتكاب الجرائم المختلفة، والتقليل كذلك من الكفاءات والنشاطات البدنية والذهنية، وذلك كله يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد، فالمرابي بترتيبه للفوائد الربوية على القروض يسلب القوة الشرائية من المقترض، أي إن البضائع تتكدّس وتتوقّف حركتها. تربية المرابي على البخل والشحّ وعدم الإنفاق، وتحجّر وقسوة قلبه، وعدم مساعدة أحد لغيره، بل وعدم تقدميها إلا مقابل مصلحة ما، وانعدام التعاون بين أفراد وطبقات المجتمع، وتفكّكها وتشتّتها. ازدياد نسبة البطالة في المجتمعات، والتقاعس عن العمل واستغلال القدرات والطاقات، فالمرابي يتقاعس عن العمل النافع المفيد للمجتمع والأفراد، وبالتالي انعدام فرص العمل. انعدام وجوه وأبواب الخير بين المسلمين بانعدام القرض الحسن، وانتشار الربا والاعتماد عليه، فينعدم تفريج الهموم والكروب عن المسملين، فالمرابي يصعّب إعطاء القروض الحسنة لغيره، وقد وردت عدّة أحاديث في فضل تنفيس الكروب والهموم عن المسلمين، منها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ).[١٠] نشر العدواة والبغضاء بين المسلمين، والتسبّب في القطيعة والفتنة فيما بينهم. خطورة الربا تترتّب على الربا العديد من المخاطر، وفيما يأتي بيان البعض منها:[١١] نيل العقوبة المترتّبة على الربا في الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى- في وصف آكل الربا يوم القيامة: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)،[٢] وقال ابن كثير مفسراً الآية: "أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه، وتخبّط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً"، وقال ابن عباس: "آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يُخنق". يعدّ الربا من الموبقات السبع التي تُلحق غضب الله بمرتكبها وتوبقه، إضافةً إلى ما يسبّبه من الأضرار والمخاطر بالمجتمع المسلم، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا)،[١٢] كما يدلّ الحديث على أن الربا من كبائر الذنوب والخطايا


تعريف الربا يُعرف الربا باللغة والاصطلاح كما يأتي: الربا في اللغة: يُقصد به الزيادة، فيُقال: أربى عليه؛ أي زاد عليه.[١] الربا في الاصطلاح الشرعي: الزيادة الحاصلة بمبادلة شيئين يجري بينهما الربا.[٢] أنواع الربا ربا الفضل تعريفه يعرّف ربا الفضل في اللغة والاصطلاح بما يأتي: الفضل في اللغة: من فضَل الشيء؛ أي زاد عن الحاجة، والفضل مصدرٌ من الفعل فَضَلَ.[٣] الفضل في الاصطلاح: بيع جنسٍ من الأصناف الربوية بجنسه مع زيادةٍ في أحد البدلين على الآخر، سواءً كان ذلك البيع معجّلاً أو مؤجّلاً، فلا علاقة للزيادة بالتأخير.[٤] حكمه ورد الإجماع على حُرمة التفاضل عند المبادلة في الأصناف التي ذكرها الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بقوله: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلاً بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَداً بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَداً بيَدٍ)،[٥] ويخرج من الحُرمة بشرطين؛ أن يكون الجنسان متماثلان؛ مثل: بيع الذهب بالذهب بالتساوي، وأن يكون التقابض والمبادلة على الفور، أمّا إذا كان الجنسان مختلفان؛ كبيع الذهب بالفضة أو الشعير بالتمر فيُشترط التقابض الفوري فقط،[٦] ومن صور ربا الفضل: بيع الذهب القديم بالذهب الجديد مع اختلاف الوزن وإن كان التقابض في المجلس.[٧] ربا النسيئة تعريفه بيّن العلماء المقصود بالنسيئة في اللغة والاصطلاح كما يأتي:[٨] النسيء في اللغة: التأخير في الزمن، ومن دعاء العرب: "نسأ الله في أجلك"، أي أطال الله في عمرك، ويُقصد بالنسيئة بيع الشيء بالتأخير. النسيء في الاصطلاح: الزيادة في مدة الدين مقابل الزيادة في المال. حكمه أجمع العلماء على تحريم ربا النسيئة،[٩] وهو الربا الذي كان معروفاً في الجاهلية، كما عُرف بالربا الجليّ أي الواضح، وورد تحريمه بنص القرآن الكريم؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[١٠] كما حُرّم بالإجماع،[١١] وتتمثّل حقيقة ربا النسيئة ببيع المال الربوي بجنسه أو بغير جنسه متماثلاً أو متفاضلاً مع تأخير القبض، مثل: بيع كيلو من القمح باثنين يُدفعا بعد شهرين، أو بيع تفاحةٍ بتفاحتين بعد شهرٍ، ويدور ربا النسيئة حول التأجيل والتأخير في القبض، لذلك سُمّي ربا النسيئة مع أنّه يشتمل على ربا الفضل إلّا أنّ المقصود منه النسيئة.[١٢] ويرد التشابه بين ربا اليد الذي عُرف عند الشافعية وربا النسيئة، و يعرّف ربا اليد بأنّه: البيع بتأخير قبض العوضين أو أحدهما دون تحديد أجلٍ معينٍ، بمعنى أن يتم بيع شيئين مختلفين في الجنس؛ كالقمح بالشعير دون التقابض في مجلس العقد، بينما لا يختلف ربا اليد عن ربا النسيئة عند الحنفية؛ فهو بيعٌ يفقد شرط التقابض.[١٣] ربا القرض تعريفه يعرّف ربا القرض بأنّه كلّ زيادةٍ يشترطها المُقرض على المقترض، سواءً أكانت عينيةً أم منفعةً، وسُمّي ربا القرض بهذا الاسم من باب نسبة الشيء إلى سببه؛ إذ إنّ القرض هو سبب الربا، وقد اتفق الفقهاء على جريان ربا القرض في الأموال الربوية وغيرها.[١٤] حكمه يُحكم على ربا القرض بالتحريم بالاستناد إلى مجموعةٍ من الأدلة، وهي:[١٤] عموم الآيات القرآنية الواردة في تحريم الربا، وعدم استثناء ربا القرض منها، ولو كان حلالاً لاستُثني من التحريم. الأحاديث النبوية الصحيحة المروية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- التي تحرّم الربا، منها قوله: (لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ).[١٥] إجماع الفقهاء على تحريم الزيادة على المقترض في القرض. صوره يوجد لربا القرض صورتان بيانهما فيما يأتي:[١٦] الصورة الأولى: أن يُقرض شخصٌ لآخرٍ مبلغاً من المال لفترةٍ من الزمن، وإن حان وقت السداد وتعسّر على المقترض السداد زاده المُقرض في المدة مقابل الزيادة في المال، وهذه الصورة هي أسوء أنواع الربا؛ لأنّها تجمع أنواع الربا؛ الفضل والنسيئة والقرض. الصورة الثانية: أن يتفق المُقرض مع المقترض أن يعطية مبلغاً من المال على أن يعيده مبلغاً أكبر بعد فترةٍ من الزمن، وهذه الصورة أيضاً محرمةٌ؛ لأنّ كلّ قرضٍ ترتّبت عليه منفعةً فهو ربا، أمّا إن كانت الزيادة غير مشروطةٍ وغير متفقٍ عليها من البداية فتكون غير محرمةٍ بل من باب حُسْن قضاء الدين. حكم الربا حرّم الله -تعالى- الربا، ومن أعظم ما يدلّ على تحريمه أنّ الله -سبحانه- توعّد آكله بالنار وأعلم من لم يتركه بحربٍ منه ومن رسوله، كما عدّه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من كبائر الذنوب، ومن أدلة تحريم الربا:[١٧] قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ).[١٨] قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ*، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا ...)،[١٩] وقال فيما ورد من حديث جابر -رضي الله عنه-: (لَعَنَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ)،[٢٠] وقال في خطبة حجة الوداع: (وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، فإنَّه مَوْضُوعٌ كُلُّهُ)،[٢١] ودلّ الحديث على أمورٍ يُذكر منها:[٢٢] ذكر الربا في حديث السبع الموبقات يدلّ أن أكل الربا من كبائر الذنوب المهلكات. ذكر الرسول في الحديث الشرك والسحر والقتل؛ فدلّ ذلك على شدّة تحريم الربا. يعاقب الله آكل الربا باللعنة؛ أي: الطرد من رحمته، كما أنّ آكله وموكله وكاتبه وشاهديه ملعونون جميعاً وجميعهم سواءً في الإثم. أجمع العلماء على تحريم الربا بشكلٍ عامٍ.[٢٣] تأثير الربا على العقود اختلف العلماء في تأثير الربا في العقد، وبيان خلافهم فيما يأتي:[٢٤] القول الأول: ذهب الجمهور من العلماء إلى القول بأنّ العقد الذي يدخله الربا عقدٌ مفسوخٌ بكلّ الأحوال؛ لأنّه عقدٌ محرمٌ، كما أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أبطله وردّه. القول الثاني: اعتبر الحنفية أنّ الربا شرطٌ مفسدٌ للعقد، ويمكن تصحيح العقد بإلغاء شرط الربا ورَدّ الزيادة الربوية إن كانت قائمةً وإلّا فمثلها إن كان مستهلكاً؛ حفاظاً على حق العبد برَدّ ماله له، وحق الشرع بإنهاء العقد المحرّم. الحكمة من تحريم الربا حرّم الله -تعالى- الربا لحِكم كثيرةٍ، يُذكر منها أنّ الربا:[٢٥] يؤدي إلى توقّف العمل؛ لأنّ الربا زيادةٌ في المال دون عملٍ. يُشيع الكراهية في المجتمع، ويقضي على مبادئ التكافل والمحبة. يفضي إلى تجمّع المال في أيدي فئةٍ معينةٍ من الناس. يؤدي بالأفراد إلى الزهد في ممارسة الأعمال المختلفة، وعدم تحمّل المشقة في الكسب. يؤدي إلى تضخّم مال الغني على حساب مال غيره. يغلق باب الصدقة والإحسان بين الناس.[٢٦] يؤدي إلى الظلم والاحتيال على الناس، وأكل أموالهم بالباطل.[٢٦] يقضي على القرض الحسن* بين الناس.[٢٧] الأمور التي يحرم بها الربا أجمع العلماء على تحريم الربا في الأصناف الستة المذكورة في قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ*، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ*، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ)،[٢٨] وهي: الذهب، والفضة، والبُر*، والتمر، والشعير، والملح، واختلف العلماء في غيرها من الأصناف بحسب اختلافهم في علة الربا، وفيما يأتي بيان خلافهم: علة الربا في الذهب والفضة:[٢٩] الرأي الأول: ذهب كلٌّ من الحنفية والحنابلة إلى القول بأنّ العلة من تحريم الربا في الذهب والفضة الوزن والجنس، أي أنّ كلّ ما يُوزن لا يُباع بجنسه إلّا بشرطين؛ التماثل والتقابض. الرأي الثاني: ذهب كلٌّ من الشافعية والمالكية إلى القول بأنّ علة الربا في الذهب والفضة الثَّمَنيّة*. علة الربا في الشعير والقمح والملح والتمر:[٣٠] الرأي الأول: ذهب الحنفية والحنابلة إلى القول بأنّ علة الربا في تلك الأصناف الكيل أو الوزن مع الجنس، سواءً أكان مطعوماً أم لا. الرأي الثاني: ذهب المالكية إلى أنّ علة ربا الفضل هي الادّخار* والاقتيات* مع اتحاد الصنف، وأمّا علة ربا النسيئة فهي الطُعم* والادّخار، دون النظر للاقتيات أو وحدة الصنف، واستدلوا على ذلك باقتصار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الوارد سابقاً عن الأصناف الربوية على عددٍ من أصناف الطعام، وأنّه قصد التنبيه على ما في معناها أيضاً، بالإضافة إلى الادّخار والاقتيات، واستدلوا من المعقول على أنّ الجهل والخديعة التي حُرّم الربا لأجلها لا بدّ أن تُحرّم في الأقوات.[٣١] الرأي الثالث: ذهب الشافعية إلى أنّ علة ربا الفضل مطلق الطعم في الأصناف الأربعة مع اتحاد الصنف في كلٍّ منها، وعلة ربا النسيئة الطعم* فقط، واستدلوا على ذلك بقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (الطَّعَامُ بالطَّعَامِ مِثْلًا بمِثْلٍ).[٣٢][٣١] حكم البيع والشراء من المرابي يجوز البيع والشراء من المرابين من السلع التي ليس لها علاقة بالربا؛ لأنّ معاملات البيع والشراء من المسلم قربة وطاعة لله -تعالى-، وفيها إعانةٌ على البر والتقوى، وإن كان المشتري أو البائع يتعاملا بالربا لا يعني تحريم كلّ معاملاتهما، بل يكون إثم الربا على آخذه، ودليل ذلك قول عائشة -رضي الله عنها-: (اشْتَرَى رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- طَعاماً مِن يَهُودِيٍّ بنَسِيئَةٍ*، ورَهَنَهُ دِرْعاً له مِن حَدِيدٍ).[٣٣][٣٤] التوبة من الربا تتحقّق التوبة النصوح بالإقلاع عن الذنب كلياً، والندم على ما فات من التقصير وارتكاب الذنوب والمعاصي، مع العزم على عدم العودة إليها أبداً،[٣٥] ويشترط لقبول توبة المرابي بالإضافة إلى شروط التوبة الصادقة أن يردّ المال الذي أخذه زيادةً إلى صاحبه دون مماطلةٍ إن كان موسراً، لقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَطْلُ* الغَنِيِّ ظُلْمٌ)،[٣٦] وإذا مرت فترةً من الزمن ولم يعرف المرابي الشخص الذي أخذ منه الربا، فعلى آكل الربا التائب أن يبحث عنه، فإن عجز عن معرفة مكانه فيتصدق بالمال.[٣٧] الطرق المشروعة للتخلص من الربا شرع الإسلام طرقاً للتخلّص من الربا، وفتَح أبواباً لتحقيق مصلحة المسلم، وحفظ كرامته، وقضاء حوائجه، وازدهار عمله وإنتاجه، ومن تلك الطرق:[٣٨] المضاربة؛ وهي شركةٌ يشترك فيها صاحب رأس المال بماله مع العامل بعمله وجهده، على أن يوزّع الربح بينهما بنسبةٍ متفقٍ عليها، وتكون الخسارة على صاحب رأس المال من ماله، ومن جهد وتعب العامل. بيع السَّلم؛ وهو بيع شيءٍ آجلٍ بمبلغٍ عاجلٍ، مثل: ما يدفعه المشتري للصنّاع قبل استلام المبيع لحين إتمام صنعه، ويتم ذلك بشروطٍ معينةٍ. بيع المؤجّل؛ وهو ما يُعرف بالبيع بالتقسيط أو بمبلغٍ مؤجّلٍ، وأُبيح لتيسير مصالح الناس، وللتخلّص من التعامل بالربا. دفع الزكاة للمدينين والفقراء وأبناء السبيل *. القرض الحسن*. الهامش *البُرّ: حبّ القمح.[٣٩] *مثلاً بمثلٍ سواءً بسواءٍ: المساواة في الكمية، يداً بيدٍ: المقابضة؛ إشارةً إلى تحريم تأخير القبض.[٤٠] *المستحلّ: مَن يجعل الحرام حلالاً.[٤١] *العاصي: الخارج عن طاعة الله -تعالى-، والمخالف لأوامره.[٤٢] *الثَّمَنية: كون الذهب والفضة ثمن من الأثمان تقاس به قيم الأشياء، أي أنه يُعدّ نقداً.[٤٣][٤٤] *الادّخار: أن يكون الطعام ممّا لا يفسد بحفظه لوقت الحاجة، والاقتيات: أن يكون الطعام مُتّخذاً أساساً وأصلاً للعيش.[٤٥] *الطُّعم عند المالكية: ما غلب اتّخاذه أكلاً أو شُرباً للآدمي أو لإصلاح أكله.[٤٥] *الطُّعم عند الشافعية: ما قُصد به الطعام كالبُرّ والشعير، أو التفكّه كالتين، أو لإصلاح الأغذية كالملح، أو لإصلاح الأبدان كالزنجبيل.[٤٦] *بنسيئةٍ: بثمنٍ مؤجّلٍ.[٤٧] *مطل: تأخير الغني بقضاء ما عليه من الدَّين.[٤٨] *القرض الحسن: هو إعطاء شخصٍ مالاً على أن يردّه بمبلغٍ مماثلٍ، والهدف منه نفع المعطي وليس الربح وتنمية المال.[٤٩] *ابن السبيل: المسافر الذي انقطعت به السبل، ولا يملك ما يكفيه.[٥٠]


حقيقة الإصابة بالعين والسِّحر لا تكون الإصابة بالعين والسِّحر إلّا بقضاء وقدر الله سبحانه، فلا يمكن للعين أن تسبق القدر، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لو كان شيءٌ سابَق القدرَ لسبقَتْه العَيْنُ)،[١] كما لا بدّ من العبد المؤمن إحسان الظن بالله وحُسن التوكّل عليه، فلن يصيب العبد إلّا ما كتب الله عليه، فلو اجتمع جميع البشر على أن يصيبوه بشيءٍ لا يمكن لهم أن يصيبوه إلّا بما قدّره الله له، أمّا بالنسبة للأعراض التي تظهر على العبد فلا تُعزى بشكلٍ قطعيٍ إلى العين والسِّحر، فقد يكون الشخص الذي ظهرت عليه الأعراض مصاباً ببعض الأمراض التي لا يُشفى منها إلّا بمراجعة الأطباء وأهل الاختصاص.[٢] خطورة السِّحر يُعدّ السّحرُ من الكبائر والموبِقات السّبع؛ وذلك لِما فيه من ضرَر وأذيّة على الناس، وهو من أعظم ما يُعصى به الله تعالى، وقد جاء التحذير منه والتهديد الشديد لفاعله، والساحر يستحقّ اللعنة؛ لأنّه من المُفسدين في الأرض، قال تعالى: (فَلَمّا أَلقَوا قالَ موسى ما جِئتُم بِهِ السِّحرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصلِحُ عَمَلَ المُفسِدينَ)،[٣] ورغم ذلك لا زال بعض ضِعاف الإيمان يلجؤون إلى عمل السّحر؛ لأذيّة عباد الله، وقد أقرّ الإسلام حقيقة السِّحر وتأثيره على المسحور، وبيّن العلماء والمختصّون سُبُلَ تحصين النفس من هذا الخطر، وطُرُقَ التّخلص من السّحر الواقع وشرّه. الرُّقية الشرعيّة لفكّ السِّحر عملُ السّحر في المسحور نوع من أنواع الابتلاء؛ فخير ما يفعله المسحور لنفسه للخروج من هذا الابتلاء هو اللجوء إلى الله تعالى، وأنْ يكون على يقين أنّ الله -سبحانه- هو القادر على فكّ السحر وإبطال أثره، ولا يصحُّ أنْ يلجأ المسلم لإبطال السحر بسحر مثله، وهو ما يُسمّى بالنُّشرَ؛ لورود النهي الصريح عن ذلك، حيث سُئِل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن النُّشرة، فقال: (هي من عمل الشيطان)،[٤] ولا يُقبَلُ من المسلم سواءً كان راقياً أو مَرْقِيّاً أنْ يستخدم من الرّقى ما فيه شركٌ، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا بأسَ بالرقَى ما لم تكنْ شركاً).[٥][٦] وإنّ من أنفع ما يُرقى به المسحور ما يأتي:[٧][٨] (بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ*الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ*مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ*اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).[٩] (الم*ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ*أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[١٠] (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).[١١] (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).[١٢] (وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ*إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).[١٣] (اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).[١٤] (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ*لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).[١٥] (قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ*اللَّـهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)،[١٦] مع التكرار ثلاث مراتٍ. (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِن شَرِّ مَا خَلَقَ*وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ*وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ*وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)،[١٧] مع التكرار ثلاث مراتٍ. (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَـهِ النَّاسِ*مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ*مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)،[١٨] مع التكرار ثلاث مراتٍ. (وَأَوحَينا إِلى موسى أَن أَلقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلقَفُ ما يَأفِكونَ*فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ ما كانوا يَعمَلونَ*فَغُلِبوا هُنالِكَ وَانقَلَبوا صاغِرينَ).[١٩] (وَقالَ فِرعَونُ ائتوني بِكُلِّ ساحِرٍ عَليمٍ*فَلَمّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُم موسى أَلقوا ما أَنتُم مُلقونَ*فَلَمّا أَلقَوا قالَ موسى ما جِئتُم بِهِ السِّحرُ إِنَّ اللَّـهَ سَيُبطِلُهُ إِنَّ اللَّـهَ لا يُصلِحُ عَمَلَ المُفسِدينَ*وَيُحِقُّ اللَّـهُ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَو كَرِهَ المُجرِمونَ).[٢٠] (قالوا يا موسى إِمّا أَن تُلقِيَ وَإِمّا أَن نَكونَ أَوَّلَ مَن أَلقى*قالَ بَل أَلقوا فَإِذا حِبالُهُم وَعِصِيُّهُم يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِن سِحرِهِم أَنَّها تَسعى*فَأَوجَسَ في نَفسِهِ خيفَةً موسى*قُلنا لا تَخَف إِنَّكَ أَنتَ الأَعلى*وَأَلقِ ما في يَمينِكَ تَلقَف ما صَنَعوا إِنَّما صَنَعوا كَيدُ ساحِرٍ وَلا يُفلِحُ السّاحِرُ حَيثُ أَتى).[٢١] (أعوذُ باللَّهِ السَّميعِ العليمِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ من همزِهِ ونفخِهِ ونفثِهِ).[٢٢] (أَعوذُ بكلِماتِ اللهِ التامَّاتِ، الَّتي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ ولا فاجرٌ، مِن شرِّ ما خلقَ، وذرأَ، وبرأَ، ومِن شرِّ ما ينزِلُ مِن السَّماءِ ومِن شرِّ ما يعرُجُ فيها ومِن شرِّ ما ذرأَ في الأرضِ وبرأَ ومِن شرِّ ما يَخرجُ مِنها، ومِن شرِّ فِتَنِ اللَّيلِ والنَّهارِ، ومِن شرِّ كلِّ طارقٍ يطرُقُ، إلَّا طارقاً يطرقُ بِخَيرٍ، يا رَحمنُ).[٢٣] (بسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولَا في السَّماءِ، وَهوَ السَّميعُ العليمُ).[٢٤] (باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شيءٍ يُؤْذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ).[٢٥] (اللهم إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهم إني أسألُك العفوَّ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استرْ عورتي وآمنْ روعاتي، اللهم احفظْني مِن بين يديَّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذُ بعظمتِك أن أُغتالَ مِن تحتي).[٢٦] (اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بوجهِكَ الكريمِ، وَكَلماتِكَ التَّامَّةِ، مِن شرِّ ما أنتَ آخذٌ بناصيتِهِ، اللَّهمَّ أنتَ تَكْشِفُ المغرمَ والمأثمَ، اللَّهمَّ لا يُهْزَمُ جندُكَ، ولا يُخلَفُ وعدُكَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منكَ الجدُّ سُبحانَكَ وبحمدِكَ).[٢٧] (اللَّهمَّ إنِّي عَبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أمتِك، ناصِيَتي بيدِكَ، ماضٍ فيَّ حكمُكَ، عدْلٌ فيَّ قضاؤكَ، أسألُكَ بكلِّ اسمٍ هوَ لكَ سمَّيتَ بهِ نفسَك، أو أنزلْتَه في كتابِكَ، أو علَّمتَه أحداً من خلقِك، أو استأثرتَ بهِ في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صَدري، وجَلاءَ حَزَني، وذَهابَ هَمِّي).[٢٨] (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ، القَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا).[٢٩] استخراج السِّحر من الأمور المهمّة والنافعة في الشفاء من السّحر وإبطال أثره أنْ يستطيع المسحور تتبُّع السحر المعمول والوصول إليه، واستخراجه من المكان الذي وضع فيه، ولا يصلُ إلى ذلك إلا باعتراف السّاحر أو عن طريق الرُّقاة الشرعيّين الموثوق بهم، مع الحرص الشديد على عدم اللجوء إلى وسائل غير مُباحة، وقد ثبت أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لمّا عرف مكان السّحر استخرجه من مكانه.[٣٠] أمورٌ أخرى تُعين على فكّ السِّحر ممّا يُعين على فكّ السحر ما يأتي: الحجامةُ تُعين على التّخلّص من أثر السّحر؛ وذلك لأنّ للسّحر أثراً في وهن جسم المسحود، وهو ناتج عن امتزاج الجسم بالأوراح الخبيثة؛ فتكون الحجامة من أنفع ما يخفّف أثر السحر.[٣١] تناول سبع تمرات عجوة على الريق في الصباح، نافع في منع تأثير السحر والسّم، وقد ورد هذا صريحاً في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من تصبَّحَ سَبعَ تَمراتٍ عجوةً، لم يضرَّهُ ذلِك اليومَ سُمٌّ ولا سِحرٌ).[٣٢][٣٣] الماء المنقوع في سبع ورقات من شجرة السّدر بعد دقِّها تُقرَأُ عليها الرّقية الشرعيّة، وآيات السّحر الواردة في سورة الأعراف، ويونس وطه، ثمّ يُغسَّل بها المسحور؛ فإنّها نافعة إن شاء الله تعالى، خاصّةً في سحر المحبوس عن جماع زوجته.[٣٤] تعريف السِّحر وحكمه تعريف السِّحر يُعرّف السحر بأنّه كلام أو عمل يقوم به الساحر بمساعدة الشيطان؛ بهدف التأثير في المسحور؛ سواءً في جسمه، أو عقله، أو قلبه، وله حقيقةٌ مؤثّرةٌ فقد يُقتَلُ به المسحور، أو يصيبه بمرض يوهِن جسمه أو عقله؛ فيُبعِده عن زوجته أو يبَغّضه بها، وسبيل الساحر في كلّ ذلك بالشركيّات والمُحرَّمات.[٣٥] حُكم السِّحر حرّم الإسلام تحريماً قاطعاً تعلُّمَ السِّحر أو العمل به، وقد وردت في القرآن الكريم والسنّة النبويّة أدلّة واضحة تدّل على حُرمة السِّحر والعمل به، وكذلك يجب إتلاف الكُتُب التي تُعلّم فنونه، والقول المرويّ: (تعلّموا السِّحر ولا تعملوا به)؛ ليس بحديث، ولا أصل له، وأيضاً لا يصحّ سؤال السَّحَرة والعرّافين، ولا تصديقهم فيما يدّعون، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من أتى عرَّافاً أو كاهناً فَصدَّقَهُ بما يقولُ، فقد كفرَ بما أُنزِلَ على محمَّدٍ).[٣٦][٣٧] تحصين النّفس يحسُنُ بالمسلم أن يبقى دائماً على حذر من الوقوع فيما فيه أذىً وشرّ له، وذلك بتحصين نفسه؛ ويكون ذلك ابتداءً من تحقيق معنى التوحيد لله سبحانه، ونبذ الشركيّات من حياته، والإخلاص لله -تعالى- بالتّوجه والإنابة، وأن يُحافظ على صلاة الجماعة؛ فإنّها حصنٌ متين وحمايةٌ ربانيّة، وعليه أن يجتهد بالتّوبة من كلّ الذنوب، ويجتهد في تخليص نفسه من الآثام؛ فإنَّ فِعْلُ ذلك يجعله أقربَ إلى العافية والسلامة من الأذى، كما يجدر بالمسلم أنْ يحرص على الالتزام بقراءة أذكار الصباح والمساء؛ لتكون عوناً له على تحصين نفسه من السّحر وأثره


القرآن الكريم من فضل الله -تعالى- على البشر أن أرسل إليهم رسلاً مبشّرين ومنذرين؛ ليدعوا إلى عبادة الله وحده، وأنزل إليهم كُتباً لتقوم على الناس الحُجّة بذلك، كما قال الله تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)،[١] وبعد فترةٍ من انقطاع الرسل، بعث الله -تعالى- محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وأنزل عليه القرآن الكريم؛ ليُكمل صرح الرسل السابقين، بشريعةٍ عامّةٍ خالدةٍ، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مثَلِي ومثلُ الأنبياءِ من قبلِي كمثلِ رجلٍ بنَى بنياناً فأحسنَهُ وأجملَهُ إلَّا موضعَ لبنةٍ من زاويةٍ من زواياهُ فجعلَ النَّاسُ يطوفونَ به ويَعجبونَ له ويقولونَ: هلَّا وُضِعَتْ هذه اللَّبِنةُ، قال: فأنا اللَّبِنَةُ وأنا خاتَمُ النَّبيِّينَ)،[٢] ومن الجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم كان آخر الرسالات إلى الناس أجمعين، حيث قال الله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)،[٣] وقد تحدّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العرب بأن يأتوا بمثل القرآن الكريم، فلم يستطيعوا، فتحدّاهم بأن يأتوا بعشر سورٍ مثله، فعجزوا عن ذلك، وتحدّاهم بأن يأتوا بسورةٍ فما استطاعوا، على الرغم من أنّهم أهل الفصاحة والبلاغة، فثبت له الإعجاز، وبإعجازه ثبتت الرسالة، ويُعرّف القرآن الكريم بأنّه كلام الله تعالى، المُنزل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والمتعبّد بتلاوته.[٤] أحكام التلاوة والتجويد يُعرّف التجويد لغةً بتصيير الشيء جيداً، وهو ضدّ الرديء، وجوّد فلان الشيء؛ أي فعله جيداً،[٥] واختلف العلماء في تعريف التجويد اصطلاحاً؛ حيث قال بعضهم إنّه إعطاء الحروف حقوقها، وترتيبها مراتبها، وتصحيح لفظ الحرف، وردّه إلى أصله ومخرجه، وإلحاقه بنظيره، وتلطيف النطق به على حال صيغته، من غير إفراطٍ ولا تكلّف، ولا إسرافٍ، ولا تعسّفٍ، أمّا التلاوة فتعرّف بأنّها قراءة القرآن متتابعاً، كالأجزاء والأسداس، وأمّا الأداء فهو القراءة بحضرة الشيوخ، أو الأخذ عنهم بالسماع منهم، ويُمكن القول أنّ الترتيل اصطلاحاً كما عرّفه الإمام علي بن أبي طالب هو: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف،[٦] ومن القواعد والضوابط التي وضعها علماء التجويد: أحكام النون الساكنة والتنوين، وأحكام الميم الساكنة، والمد بأقسامه، والوقف والابتداء، والمثلين، والمتقاربين، والمتجانسين.[٧] أحكام النون الساكنة والتنوين أحكام النون الساكنة والتنوين أربعة أحكامٍ، وهي:[٨] الإدغام: يُعرّف الإدغام لغةً بإدخال شيءٍ في شيءٍ، وأمّا اصطلاحاً فهو التقاء حرفٍ ساكنٍ بآخرٍ متحركٍ، بحيث يصيران كالحرف الثاني مشدّداً، وتُدغم النون الساكنة والتنوين إذا جاء بعدها أحد حروفه، وهي المجموعة في كلمة: يرملون، وعلّة إدغام النون الساكنة والتنوين بأحرف الإدغام التماثل بالنسبة للنون، والتقارب بالنسبة لباقي الأحرف، وتجدر الإشارة إلى أنّ الإدغام ينقسم إلى نوعين من حيث النقص والكمال؛ فالإدغام الناقص هو الذي يبقى معه أثر للنون الساكنة والتنوين بعد إدغامها في حرفي الياء والواو، وأمّا الإدغام الكامل فلا يبقى معه أثر للنون الساكنة أو التنوين عند إدغامها بباقي أحرف الإدغام، بالإضافة إلى أنّ الإدغام ينقسم من حيث الغنّة إلى نوعين؛ الأول إدغام بغنّةٍ، ويكون إذا جاء بعد النون الساكنة والتنوين أحد أحرف كلمة: ينمو، وأمّا النوع الثاني فهو الإدغام بغير غنّةٍ، ويكون إذا جاء بعد النون الساكنة أو التنوين حرفي الراء أو اللام، والغنّة صوت يخرج من الأنف، ولا علاقة للسان فيه، ويُغنّ الحرف بمقدار حركتين، والحركة هي مقدار فتح الإصبع أو إغلاقه.[٩] الإقلاب: ويعرّف الإقلاب لغةً بتحويل الشيء عن وجهه، وأمّا اصطلاحاً فهو تحويل النون الساكنة أو التنوين إلى ميمٍ، مع مراعاة الغنّة، ويكون الإقلاب إذا جاء بعد النون الساكنة أو التنوين حرف الباء، ومثال ذلك: (يُنْبِتُ لَكُمْ)، وتلفظ (يمبت لكم)، مع مراعاة الغنّة. الإخفاء: وهو الستر في اللغة، وأمّا اصطلاحاً فهو النطق بالنون الساكنة أو التنوين من غير تشديدٍ على صفةٍ بين الإظهار والإدغام، مع بقاء غنة الحرف الأول بمقدار حركتين، ويكون الإخفاء إذا جاء بعد النون الساكنة والتنوين أحد أحرف الإخفاء، وهي: ص، ذ، ث، ج، ش، ق، س، ك، ض، ظ، ز، ت، د، ط، ف. الإظهار: ويعرّف لغةً بأنّه البيان، وأمّا اصطلاحاً فهو النطق بالحرف من مخرجه بدون غنّةٍ، ويكون الإظهار إذا جاء بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف الإظهار، وهي: الهمزة، والهاء، والخاء، والغين، والحاء، والعين. أحكام الميم الساكنة يتعلّق بالميم الساكنة ثلاثة أحكام، وهي:[٨] الإدغام: ويكون إذا التقت الميم الساكنة بميمٍ متحركةٍ في بداية كلمة أخرى، فتدخل الميم الأولى بالثانية، وتصبحان ميماً واحدةً مشدّدةً، مع مراعاة الغنّة، ويسمّى هذا النوع من الإدغام إدغاماً شفويّاً، أو إدغاماً متماثلاً. الإخفاء: حيث يكون إخفاء الميم الساكنة إذا جاء بعدها حرف الباء، ويسمّى هذ النوع بالإخفاء الشفويّ؛ لأن مخرج الميم والباء من الشفة. الإظهار: ويكون إظهار الميم الساكنة إذا جاء بعدها أحد أحرف الإظهار الشفويّ، وهي جميع الحروف الهجائيّة إلّا حرفا الميم والباء. المدود المد لغةً الزيادة، أمّا اصطلاحاً فهو إطالة زمن الصوت بحرفٍ من أحرف المد، وهي: الألف الساكنة المفتوح ما قبلها، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، وينقسم المدّ إلى نوعين، هما:[١٠] المد الأصلي: وهو المدّ الطبيعي الذي لا تقوم ذات حرف المدّ إلّا به، ولا يتوقّف على سببٍ من همزٍ أو سكونٍ، ويُمدّ الحرف بمقدار حركتين، ومن المدود التي تلحق بالمد الأصلي، وتمدّ بقدار حركتين: مد العِوض؛ ويكون في حال الوقف عوضاً عن تنوين الفتح حال الوصل. مد الصِلة الصغرى؛ وهو حرف مدّ زائد، يتحصّل من إشباع الحركة على هاء الضمير الواقعة بين متحركين، يكون ثانيهما غير مهموز. مد البدل؛ ويكون إذا جاء همزٌ بعده مد في كلمةٍ واحدةٍ. مد التمكين؛ ويقع هذا المد على الياء الساكنة إذا جاء قبلها ياءً مشدّدةً مكسورةً. المد الفرعيّ: وهو المد الزائد على المد الطبيعي، وسبب الزيادة إمّا الهمز وإمّا السكون، وأمّا المد الفرعي بسبب الهمز فينقسم إلى قسمين؛ هما: مد واجب متصل: ويكون إذا جاء بعد أحد أحرف المد همزٌ في نفس الكلمة، ويمدّ بمقدار خمس أو أربع حركات، ومن الأمثلة عليه: جاء، والسماء، وسوء. مد جائز منفصل: ويكون إذا جاء بعد أحد أحرف المد همزٌ في بداية الكلمة الثانية، ويمدّ بمقدار خمس أو أربع حركات. أمّا المدود التي بسبب السكون فهي: المد العارض للسكون: ويكون إذا جاء بعد حرف المد حرفٌ متحركٌ، وُقف عليه بالسكون، ويُمدّ حركتين، أو أربع، أو ست حركات. المد اللازم: ويكون إذا جاء بعد أحد أحرف المد حرفٌ ساكنٌ سكوناً لازماً، وسمّي مداً لازماً؛ للزوم السكون في حالتي الوصل والوقف، أو للزوم مدّه عند كلّ القرّاء ست حركاتٍ، في حال الوصل أو الوقف، إلّا حرف العين في موضع: (كهيعص)، وموضع: (حمعسق)؛ حيث إنّه يجوز فيها التوسّط، أي أن يكون المدّ بمقدار أربع حركاتٍ.


بين يدي سورة الحشر سورة الحشر هي السورة رقم (59) في ترتيب المصحف الشريف، وهي سورة مدنيّة أي أنّها نزلت في المدينة المنوّرة بعد الهجرة النبويّة الشريفة من مكة إلى المدينة،[١] وعدد آيات سورة الحشر أربع وعشرون آية. تبدأ سورة الحشر بتسبيح الله أي حمده والثناء عليه وتنزيهه عن النقص تعالى ربّ العزة عن النقص علواً كبيراً، وتختتم سورة الحشر بالكلام عن صفات الله تعالى في إثباتٍ لما بدأ به سبحانه من التسبيح ، ويعود سياق الآية الأخيرة ليؤكد كمال الله سبحانه، وأنّه الخالق والبارئ والمصور، وأنّ له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأنّ جميع الكائنات وجميع المخلوقات في السماوات وفي الأرض تسبّح لله العزيز في أسمائه والحكيم في صفاته. سبب نزول سورة الحشر نزلت سورةُ الحشر في السنة الرابعة للهجرة؛ وسببُ نزولها هو غدرُ يهود بني النضير بالمسلمين، وبنو النضير هُم إحدى قبائل اليهود التي سكنت المدينة المنورة، ولمّا استقرّ رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم- في المدينة هو والمسلمون، وبدأوا بتأسيس النّواة الأولى للدولة الإسلاميّة حرص الرسولُ -صلى اللهُ عليه وسلم- والمسلمون على تحصين الجبهة الداخليّة، وبدأوا بتوقيع العهود والمواثيق مع سكان المدينة وجوارها من غير المسلمين ومنهم بنو النضير، وكان من ضمن الاتفاق التشارك في الدية، وتعويض أهل المقتول إن كان القاتلُ من المسلمين أو من يهود بني النضير. ذهب الرسولُ -صلى اللهُ عليه وسلم- وبرفقته عشرة من كبار الصحابة على رأسهم أبو بكر الصديق وعُمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً إلى بني النظير، فاستقبله يهود بني النضير استقبالاً حسناً، ولكنهم أرادوا أن يستغلّوا الموقف فرتّبوا للغدر بالرسول -صلى اللهُ عليه وسلم- وخططوا لقتله وهو عندهم، حيثُ أمروا أحدهم بأن يصعد فوق الجدار الذي كان يستند عليه الرسول -صلى اللهُ عليه وسلم- وأن يلقي صخرة عليه صلى اللهُ عليه وسلم، وفعلاً استعدّ عمرو بن جحّاش بن كعب من بني النضير لتنفيذ مهمة قتل الرسول، إلا أنّ الرسول -صلى اللهُ عليه وسلم- تنبّه لهذا الأمر، وغادر قبل ذلك، وعزم الرسول -صلى اللهُ عليه وسلم- على معاقبة بني النضير على خيانتهم، وغدرهم، ونقضهم للعهد الذي عاهدوا عليه رسول الله والمسلمين.[٢] سبب تسمية سورة الحشر ذُكر في سبب نزول سورة الحشر أنّها نزلت في السنة الرابعة للهجرة، وأنّها نزلت في بني النضير، وسبب تسمية هذه السورة بسورة الحشر أنّها تكلّمت عن حشر بني النضير، حيث حاصرهم الرسول عليه الصلاة والسلام حينما قرّر أن يعاقبهم، ثم استسلموا بعد ذلك للرسول ولأصحابه الكرام، وحكم عليهم الرسول -صلى اللهُ عليه وسلم- بالجلاء والابتعاد عن المدينة المنوّرة، وكانوا أول من تمّ إجلاؤهم وإخراجهم من أهل العرب في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعنى أوّل الحشر أي خروجهم الأول من حصونهم في المدينة إلى خيبر، وأما معنى آخر الحشر الذي ورد في السورة كذلك فهو خروجهم من خيبر إلى بلاد الشام. قال بعض المفسّرين أنّ آخر الحشر هو حشر البشر جميعاً الأخير في أرض الحشر، أو أرض المحشر، ومن المعلوم أنّ محشر الناس النهائي يكون في الشام،[٣] موضوعات سورة الحشر تعالج سورة الحشر عدداً من الموضوعات، وفيما يلي بيان هذه الموضوعات:[٤] الكلام عن حادثة الحشر ومعاقبة بني النضير من اليهود. الكلام عن خروج بني النضير، وتشتتهم وابتعادهم عن المدينة. نسبة إخراج بني النضير إلى الله سبحانه وتعالى وإلى تقدير الله. بيان مصير من يشاقق الله تعالى ويعصيه ويتحدّاه. بيان استقرار قلوب المؤمنين واطمئنانها بنصر الله للحق. الكلام عن حكم الفيء الذي أفاء به الله سبحانه وتعالى على المؤمنين. الكلام عن أهم ملامح شخصيّة التابعين، ودعائهم لمن سبقهم بالإيمان. بيان زيف العلاقة بين المنافقين وأهل الكفر، وأنّها علاقة باطلة فاسدة. لا ينال أهل الكفر والنفاق من المسلمين إلا حين تتفرّق قلوبهم. مخاطبة المؤمنين ودعوتهم إلى تقوى الله ومراقبته، وأن يراقب المسلم نفسه وتصرفاته. الموازنة بين أهل الحق وأهل الباطل وأهل الجنة وأهل النار، وتقرير أنهم لا يستوون، فأصحاب الجنة الذين هم أهل الحق هم الفائزون. بيان أثر القرآن الكريم في القلوب. استعراض عدد من أسماء الله وصفاته، وتختتم السورة كما بدأت بالتسبيح. التناسب بين بداية السورة ونهايتها ترتبط بدايةُ سورة الحشر مع نهايتها برابطٍ يقوم على تسبيح الله سبحانهُ وتعالى الكامل المنزّه عن كل نقص، فبداية السورة تبدأ بنسبة تسبيح الله سبحانه وتعالى إلى جميع المخلوقات في السموات والأرض، وأنّه سبحانه وتعالى هو العزيز الحكيم ذو القوة والمنعة والجبروت والحكمة، ثم تبدأُ السورة بعرض موضوع الحشر، وإخراج أهل الكتاب وهم بنو النضير في هذه السورة، والكلام عن إخراجهم من ديارهم وهو الخروج الأوّل من المدينة المنوّرة إلى خيبر، ثمّ ترتبط مقدمة السورة بنهايتها بذكر صفات الله سبحانه وتعالى، بعد الكلام عن الموازنة والمقارنة بين أصحاب النار وأصحاب الجنة، وأنّهُ لا يستوي أصحابُ النار وأصحاب الجنّة؛ فأصحابُ الجنّة هم الفائزون؛ لأنّهم صدّقوا وآمنوا بالله وبأسمائه وبصفاته العلا سبحانه وتعالى، فهو الخالقُ والبارئُ والمصوِّرُ، وتسبّحُ له سبحانه وتعالى جميع المخلوقات في السموات والأرض، فهو العزيزُ الذي لا يُضاهيه عزيزٌ في أسمائه ولا في صفاته، وهو الحكيمُ في خلقه وفي تقديره سبحانهُ وتعالى.[٥] كيف أنتفع بسورة الحشر إنّ القرآن الكريم هو كلام الله تعالى إلى خلقه جميعاً، يخاطب فيه البشر كلّ البشر، ويدعوهم إلى ما فيه الخير والصلاح والفوز والنجاح والهداية لهم، وحتى ينتفع الإنسان بالقرآن الكريم وينتفع بسورة الحشر وهي من سور من القرآن عليه أن يستحضر النية ويخشع عند تلاوتها وعند سماعها، وأن يوقن ويعلم علم اليقين أن الله تعالى يخاطب هذا السامع أو القارئ لسورة الحشر خاصةً، فلا يظن أنه بعيدٌ عن هذه الآيات وأنه ليس له علاقةٌ بها. على المسلم أن ينتفع بما يسمع من آيات سورة الحشر والقرآن والذكر الحكيم، فما ورد في سورة الحشر موجّهٌ إليه خاصةً، وعليه أن يفهم ويدرك معانيها العظيمة، ويفهم موضوعاتها والرسالة الربانية للمسلمين من خلال هذه السورة الكريمة، وأن يسمح لقلبه بأن يرتوي بالقرآن الكريم، لكي يكون قلباً حياً يحيى بسماع القرآن، ويحب تلاوة القرآن، فيبقى هذا القلب القرآني أخضر مزهراً، والقلب الحي الأنيس بالله يكون قلباً صامداً قوياً حاضراً مؤمناً، فيترجم هذه الحياة لهذا القلب الحي بالقرآن أفعالاً ترضي الله، وأقوالاً ترضي الخالق تبارك وتعالى، فهنيئاً لكل من روى قلبه بالقرآن، وهنيئاً لكل من جمّل سمعه وبصره بالقرآن، وهنيئاً لمن أنعم الله عليه بتمام النعمة؛ فصار خُلُقه القرآن، وصارت أعماله وأقواله تستنير بهُدى القرآن ، وهنيئاً لمن التزم أوامر الله ربهُ وخالقهُ ومولاه، والتزم بطاعة الله وابتعد عن كل ما نهى عنه الله


أحكام التجويد تُعدّ قراءة القرآن الكريم من العبادات ذات الفضل والمكانة، وفي قراءته أجر وحسنات مضاعفة، إلّا أنّ قراءة القرآن ليست كأيّ قراءة، إنّما ينبغي على المسلم إذا أراد قراءة القرآن، أن يطبّق بعض الأحكام أثناء قراءته؛ حتى يكون أداؤه سليماً، وقد نزلت تلك الأحكام مع نزول القرآن الكريم إلى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقرأها جبريل -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- وفق تلك الأحكام، وعلَّمه كيفية القراءة الصحيحة، وقد نقل النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الطريقة إلى الصحابة -رضي الله عنهم- الذين نقلوها جيلاً بعد جيلٍ حتى وصلت إلينا على هذا النحو، وقد وضع علماء التجويد لتلك الطريقة في القراءة أُسساً وقواعد، وكان من بين تلك الأحكام ما يتعلَّق بالإدغام، فما هو الإدغام، وما هي أقسامه وأنواعه؟ معنى الإدغام للإدغام عدّة معانٍ في اللغة، وأخرى في اصطلاح علماء القراءات، ومن أبرز معاني الإدغام في اللغة والاصطلاح ما يأتي: الإدغام في اللغة: مصدر أدغمَ يُدغم، وأدغم إِدغاماً، فهو مُدْغِم، ويُقال: أدْغَمَ فلانٌ؛ إذا بادرَ القومَ حتى لا يسبقوه في الأكل، فأَكل دون أن يمضغ الطعام، ومنه أدْغَمَ الطعامَ: أي ابتلعه ابتلاعاً، وأدْغَمَ الشيءَ: أي سوَّده، ويُقال كذلك: أدغَمَهُ الله؛ إذا سَوَّد وجهَه فأَذلَّه، وأدْغَمَه الشيءُ: أي سَاءه، وأدْغَمَ الشيءَ في الشيءِ إدغاماً: إذا أَدخلَهُ فيه، أمّا في القراءة فيُقال: أدغمَ الحرفَ في الحرف: أَدْخَلَه فيه وضمّه إليه.[١] الإدغام في الاصطلاح: هو التقاء حرف ساكن مع حرفٍ آخر متحرّكٍ، بحيث يصبح الحرفان حرفاً واحداً مُشدَّداً، فيرتفع اللسان ارتفاعةً واحدةً إذا نطق بهما القارئ، وكأنّه حرف، وهو بوزن حرفين.[٢] الإدغام وأحكام النّون السّاكنة والتّنوين الإدغام حكمٌ من أحكام النون الساكنة والتنوين، فيقترن وجود حكم الإدغام بوجود النون الساكنة أو التنوين، وينتفي بانتفائها، وله في هذه الحالة أحرفٌ خاصة جمعها العلماء في كلمة واحدة هي (يرملون)، وعلى ذلك تكون أحرف الإدغام على اعتباره أحد أحكام النون الساكنة والتنوين هي: الياء، والراء، والميم، واللام، والواو، والنون، ويُشترَط لأجل تمام الحكم أن تكون النون الساكنة في آخر الكلمة الأولى، وحرف الإدغام في بداية الكلمة الثانية، وفي هذه الحالة تتمُّ تسمية حرف النون أو التنوين مُدغِماً، ويُسمّى حرف الإدغام مُدغَماً فيه.[٢] ويُقسم هذا النوع من الإدغام إلى قسمين، هما:[٢] الإدغام بغُنّة: له أربعةُ حروفٍ، هي الياء، والنون، والميم، والواو، وتجتمع هذه الحروف في كلمة (ينمو)، فإذا جاء حرفٌ من حروف الإدغام بغنّة تابعاً للنون الساكنة أو التنوين، وكان كلّ واحدٍ منهما في كلمة؛ بحيث تكون النون الساكنة أو التنوين في نهاية الكلمة الأولى، وحرف الإدغام بغنّة في بداية الكلمة الثانية؛ حينها تُدغَم النون الساكنة أو يُدغَم التنوين بحرف الإدغام بغنّة، وفيما يأتي بعض الأمثلة على الإدغام بغُنّة: الحرف المثال من النّون السّاكنة كيفيّة النُّطق المثال من التّنوين كيفية النُّطق الياء فَمَن يَعمل ميَّعمل لقومٍ يُؤْمنون قومِ يُّؤمنون الواو مِن وَالٍ مِوَّال وليٌ وَلا وليُ وَّلا النون من نِعمة منِّعمة يومئذٍ نَاعمة يومئذِ نَّاعمة الميم مِنْ مُكرِم ممُّكرم جزاءً مِن جزاءَ مِّن الإدغام بغير غُنّة: له حرفان فقط يختصُّ بهما، هما الراء، واللام، فإذا اقترن مجيءُ حرف الإدغام بغير غُنّة مع وجود نونٍ ساكنةٍ أو تنوينٍ في نهاية الكلمة الأولى، وحرف الإدغام بغير غُنّة في بداية الكلمة الثانية، فيكون إدغام النون الساكنة أو التنوين في حرف الإدغام بغير غنّة، ومثاله على النحو الآتي: الحرف المثال من النّون السّاكنة كيفيّة النُّطق المثال من التّنوين كيفيّة النُّطق الرّاء من رَّبِّهِ مرَّبِّه غفورٌ رحيم غفورُ رَّحيم اللام مِّن لَّدُنْهُ ملَّدُنه هدىً للمتقين هدَى لِّلمتقين الإدغام وأحكام الميم السّاكنة للإدغام أحكامٌ تقترن بالنون الساكنة أو التنوين، وهو كذلك أحد الأحكام التي تقترن بالميم الساكنة؛ فإذا جاءت الميم الساكنة وجاءت بعدها ميم متحرّكة؛ فعلى القارئ إدغام الميم الساكنة بالميم المتحركة، والميم الساكنة هي ميمٌ خاليةٌ من كلِّ الحركات، ويستوي بذلك حال الميم في الوقف والوصل، ومثال الميم الساكنة يظهر في كلمة: الْحَمْدُ، ويظهر كذلك في كلمة: تُمْسُونَ.[٣] وبذلك لا تنطبق أحكام الميم الساكنة على الميم المتحرِّكة، أو المشدّدة، أو الميم الساكنة سكوناً عارضاً؛ كالوقف على الميم التي تكون في نهاية الكلمة، مثل: الميم في كلمة حكيم، أو الميم الساكنة التي جرى تحريكها منعاً من التقاء ساكنين، كما في كلمتَي: قُم اللَّيْلَ، فتصبح: قُمِ اللَّيْلَ، فهذه الميمات تخرج من أحكام الميم الساكنة، ولا يترتَّب عليها حكمٌ؛ لانتفاء السكون عنها.[٣] أمّا حرف الإدغام على اعتباره حُكماً من أحكام الميم الساكنة فهو حرف الميم فقط، فتُدغَم الميم الساكنة التي تأتي في نهاية الكلمة الأولى، في الميم المتحركة في بداية الكلمة الثانية، مع إعطاء غُنّة، ويُسمّى هذا النوع من الإدغام بإدغام المِثلَين الصّغير؛ لأنّه يحدث لحرفين مُتَّحدين في المخرج والصِّفة، وهما الميم الساكنة والميم المتحرّكة، ويُسمّى أيضاً بالإدغام الصغير؛ لأنّه يحدث بين ميمٍ ساكنةٍ وميمٍ متحرّكةٍ، ويُسمّى كذلك بالإدغام الشفوي؛ لأنّ الميم مخرجها الشفتان، وهي طريقةٌ لتمييزه عن إدغام النون الساكنة في حروفها، ومن أمثلة الإدغام الشفويّ: (لَهُم مَّا)، وطريقة لفظها هي (لهُمَّا)، وكلمتا (كنتُم مِن) تُلفظان (كنتُمِّن).[٣] الإدغام والصّفات العارضة للإدغام ثلاثة أسباب تبعث عليه، وهي:[٤] التّماثل: وهو أن يتّحد حرفان من أحرف اللغة العربية في المخرج والصفة، ويظهر هذا النوع من الإدغام عند اجتماع حرفين متماثلين كالميم والميم، أو الباء والباء، أو التاء والتاء، أو الكاف والكاف، وهذا معنى اتّحادهما مخرجاً وصفةً، ومن أمثلة إدغام المتماثلَيْن ما يأتي:[٤] الحرف المثال كيفيّة النُّطق به الباء اضرب بِعصاك اضربِّعصاك الكاف يُدرِككُّمُ يدرِكُّم الدال وَقَد دَّخَلُوا وقدَّخلوا الفاء يُسْرِف فِّي يُسرِفّي التّجانس: هو أن يتَّحد الحرفان في المخرج، ولا يتَّحدا في الصفة، وهذا النوع من الإدغام غير لازمٍ؛ حيث لم يلتزم حفص بإدغام جميع الأحرف التي بينها تجانس، بل اكتفى بإدغام بضعة أحرفٍ متجانسةٍ، وهي:[٤] الباء مع الميم في موضعٍ واحدٍ في القرآن الكريم، وهو في قول الله تعالى: (يَا بُنَيَّ اركَب مَّعَنَا)،[٥] حيث إنها تُقرأ في هذا الموضع على: (اركمَّعنا). التاء مع الدال، في موضعين فقط، هما: (أثقلت دعوا) وتُقرَأ: (أثقلدّعوا)، وفي (أُجيبت دعوتكما) وتُقرَأ: (أُجيبدّعوتكما)، أمّا في حال التقاء الدال مع التاء، فقد أدغمها حفص في عدّة مواضع، منها (قد تبيّن)، وتُقرَأ: (قتَّبين)، وفي (عاهدتم) حيث تُقرَأ: (عاهتُّم)، وفي (كدتَّ) وتُقرَأ: (كتَّ). التاء مع الطاء، أو الطاء مع التاء، ومنها قوله تعالى: (همت طائفتان) وتُقرَأ: (همطَّائفتان)، وفي قوله: (بَسَطْتَ) وتُقرَأ: (بَسَتَّ). الذال مع الظاء: وقد ورد الإدغام على هذا النحو في موضعين فقط، هما: (إذ ظلموا) وتُقرَأ: (إظَّلموا)، وفي قوله تعالى: (إذ ظلمتم) وتُقرَأ: (إظَّلمتم). الثاء مع الذال في موضعٍ واحدٍ، وهو قول الله تعالى: (يَلْهَث ذَّٰلِكَ)،[٦] وتُقرَأ: (يلهذَّلك). وفيما عدا تلك الأحرف لم يُدغم حفص شيئاً، كما في الميم والواو، فإنّهما متجانسان لكن لم يُدغَما معاً، وكذلك الحال في الشين والياء. التّقارب: أن يتقارب الحرفان في المخرج والصِّفة، أو يتقاربا في الصفة دون المخرج، أو في المخرج دون الصفة، ولهذا النوع من الإدغام ثلاثُ صورٍ، هي:[٤] صورة التّقارب مثال أن يتقارب الحرفان مخرجاً وصفةً مِّن لَّدُنهُ أن يتقاربا مخرجاً ويختلفا صفةً التَّائِبُونَ أن يتقاربا صفةً ويختلفا مخرجاً مِن وَلِيٍّ


علم أسباب النُّزول اهتمَّ علماءُ التَّفسيرِ في معرفةِ أسبابِ نزول سورِ القرآنِ الكريمِ وآياتِه، والحوادثِ المُتعلِّقةِ بها؛ لحاجةِ فهمِ وتدبُّر الظُّروفِ التي حلَّت بها الآياتُ ونُزِّلت على رسول اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام، واستيعابِ الرَّسائلِ الربانيَّةِ المُرادةِ من الآياتِ، وإمكانِ تفسيرِها على النَّحوِ الأقربِ للصحَّةِ، ومعرفةِ مَقاصِدها ومُتعلِّقاتِها من الأحكام. وفي مَعرِفةِ أسبابِ نُزولِ الآياتِ تيسيرٌ لِفهمِ المعاني المتضمِّنةِ فيها، والمُحتواةِ في تركيبتِها وترتيبِها، وفَهمِ مفاهيمِها المُجمَلةِ دونُ الوُقوعِ في الإيهامِ والاحتمال، فالعلم بالسَّببِ يُورّث العلمَ بالمسبِّب.[١] وفي ضرورةِ التمرُّسِ في أسبابِ النُّزولِ خِدمةُ التَّفسيرِ وبيانُه، وفي ذلكَ أنَّ بعضَ الآياتِ أُشكِلت على بعضِ الصَّحابةِ حتَّى لم يجدوا لها فهماً، فلمَّا تبيَّنَ لهم سببُ نُزولِها توضَّحت غاياتُها واستَبانَت معانيها، وتَظهرُ الحاجةُ لِمعرفةِ أسبابِ النُّزولِ في تفسيرِ ما صعُب من الآياتِ فاستَعصى فهمه وامتَنَع، والغايةُ موقوفةٌ على فَضلٍ لا على جَدل، فلا تعني الحاجةُ لِمعرِفةِ تفاصيلَ الأحداثِ المُقتَرِنةِ بآيةٍ مُعيَّنةٍ تعميمَ الفكرةِ واشتِراطِها لجميعِ الآيات، ولا تلمُّسِ الأسبابِ لكلِّ آيةٍ أو سورةٍ نَزلَت في كِتابِ الله؛ ذلكَ أنَّ آياتِ القرآن الكريم نَزلَت في ظروفٍ مُختَلِفةٍ، فمِنها ما كانَ مَخصوصاً بعقائِدِ الإيمانِ والواجباتِ والشَّرائِع، ناظماً لحياةِ النَّاسِ مُمهِّداً لها، ومِنها ما كانَ نزولُه مقروناً بِحوادِثَ مخصوصةٍ، أو مُجيباً على أسئلةٍ، أو مُبيّناً لأحكامِ تخصُّ الوقائع، ولا يَجوزُ القولُ في أسبابِ النُّزولِ تنطُّعاً وارتِجالاً، بل هي موقوفةٌ على ما وَرَدَ عن رَسولِ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام تواتراً، وحكمُها كحُكمِ الحَديثِ في قبولِه أو ردِّه.[٢] سبب نزول سورتي الفلق والنَّاس يُذكرُ في سيرة الرَّسول عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام أنَّ رجلاً من بني زُريقَ يهوديٌ، اسمه لبيدُ ابن الأعصمِ، سَحر الرَّسولَ الكَريم بِمُشاطةٍ لهُ، أعانَه عليها يهوديٌ كانَ يخدِمُ الرّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام، ومَعها عدَّةُ أسنانٍ من مشطِ الرَّسول، فأعقَد لبيدٌ السِّحرَ في المُشاطة ثمَّ ألقاها في بئرٍ لبني زُريق وقيل في بئرِ ذروان، فأعمَلَ السِّحرُ في رَسولِ اللهِ وأمرَضَه حتَّى انتثَر شعرُ رأسه، واستمرَّ مَرَضهُ ستّة أشهرٍ، وبَلغَ فيهِ أشدَّ ما يجدُ المسحور، فكانَ يرى أنَّه يأتي النِّساء ولا يأتيهن، وجعلَ يذوبُ ولا يَدري ما عَراه، وفي ذلكَ ما رُويَ عن رسولِ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في حديثِ السِّحر، حتّى جاءَهُ مَلَكانِ وهو نائمٌ، فجَلَسَ أحدهُما عندَ رأسِهِ والآخرُ عند رِجليهِ فأفتَياهُ في حالِهِ وفي مَكانِ سِحرِه، إذ قالَ الذي عندَ رأسِهِ للذي عندَ قدميهِ: ما بالُ الرَّجل؟ فأجاب: طُبَّ، فسأله: ما طُبابَته؟ فأجاب: سِحرٌ، فسألهُ: ومَن سحره؟ فأجاب: لبيدُ بن الأعصم، فسألهُ: وبمَ طبَّهُ؟ فأجابَ: بِمشطٍ ومُشاطةٍ، فسألهُ: وأين هو؟ فأجاب: في جُفِّ طَلعةٍ تحتَ راعوفةٍ في بئرِ ذَروان.[٣] فلمَّا انتَبَه رسولُ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام خاطَبَ عائشةَ رضي الله عنها فقال: أما شَعرتِ أنَّ الله أخبرني بِدائي؟ فأرسَل نفراً من الصَّحابةِ فاستخرَجوهُ ثمَّ فَكُّوا عُقَده، وقيل، فأرسلَ عليّاً بن أبي طالبٍ والزُّبير بن العوَّامِ وعمَّار بن ياسر، فنزحوا ماءَ البِئرِ ثمَّ رفعوا الصَّخرة واستَخرجوا المُشاطةَ، وقيل، إنَّ رسولَ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أتاها في نَفَرٍ من أصحابِه، وفي ذلكَ ما وصَفَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ البئر لعائِشة إذ قال: (هذه البئرُ التي أُريتُها، وكأن ماءَها نُقاعَةُ الحِنَّاءِ، وكأن نخلَها رُؤوسُ الشياطينِ)،[٤] فلمَّا استَخرَجوا المُشاطةَ فإذا فيه وَترٌ معقودٌ فيهِ إحدى عشرة عُقدةً مغروزةٌ بالإبَر، فَجاءهُ جبريلُ عليهِ السَّلامُ بالمُعوِّذتينِ، فَجعَلَ يقراُ من آياتِها، فكانَ كلَّما قرأَ آيةً حُلَّت عُقدةٌ، فوَجدَ الرَّسولُ عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ من أثرِ حَلِّها خِفَّةً، حتَّى إذا قرأَ آخرَ آياتِها انحلَّت العُقدةُ الأخيرةُ فقامَ كأنَّما نَشِطَ من عقالٍ، فكانَ فيهِ شِفاءُ الرَّسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام، وقيلَ جاءهُ جبريلُ عليه السَّلامَ فرقاهُ فجعلَ يقول: (باسمِ اللَّهِ أرقيك من كلِّ شيءٍ يؤذيكَ من حاسدٍ وعينٍ اللَّهُ يَشفيكَ)،[٥] وأقرأهُ المعوِّذتينِ الفَلقُ والنَّاس، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَقْتُلُ الْخَبِيثَ؟ فَقَالَ: (أما واللهِ فقد شفاني اللهُ، وأكرَهُ أن أُثيرَ على أحدٍ من الناسِ شَرًّا).[٦][٧][٨][٩] فضل سورتي الفلق والنَّاس فضَّلَ الله القرآن الكريمَ الذي أنزله على رَسولِهِ معجزاً ومُتواتراً على سائرِ كُتبِه، ثمَّ زادَ فضلَ بعضِهِ على بعضٍ فيما حملَ من معانٍ ومَدلولاتٍ احتوتها بعضُ سوره أو آياتِه، وخلا منها بعضها، وإنَّما تفاضُلُ سور القرآنِ فيما تحتويهِ من هذه المعاني، وكلُّها عظيمةٌ لأنَّها كلامُ الله ووحيه إلى نبيِّهِ محمد عليه الصَّلاة والسَّلام، وفي فضلِ المُعوِّذتينِ الفلق والنَّاسُ أحاديث وحوادث، منها ما خُصَّ به نزولهما في إبراءَ الرَّسولِ واستشفائه من مرضِه الذي أصابه عند سحرِه؛ إذ كان من فَضلِ المُعوِّذتينِ أنَّها كانتا إذا قُرِأ من آياتِها حُلَّت عُقدةٌ ممّا سُحرَ به الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلامُ حتى شُفيَ بِتمامِهما، وفي ذكرِ فَضلِهما ما رُويَ عن رَسولِ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: (اتَّبعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ راكِبٌ فوضعتُ يدي على قَدمِهِ فقُلتُ: أقرِئني يا رسولَ اللَّهِ سورةَ هودٍ، وسورةَ يوسُفَ. فقالَ: لَن تقرأَ شيئًا أبلغَ عندَ اللَّهِ من قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)،[١٠] وفي رواية (ألم تر آياتٍ أُنْزِلَتِ الليلةَ لم يُرَ مثلهن قط ؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوُذ بِرَبِّ النَّاسِ)،[١١] وفي هذه الأحاديثُ بيان فضل المُعوِّذتين، إذ يتعجَّبُ الرَّسولُ عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ من عِظَمِ فضلِهما، فما نَزلت سورةٌ في القرآنِ الكريمِ بِمثلِ ما فيهما من المعاني والبَركات، فكانتا فَرجُ الله للمتعوِّذ بهما، ففيهما إلتجاءُ العبدِ لِربِّه وطلب الحمايةِ بهِ من جميعِ مخلوقاتِه


فرنسا تقع فرنسا في قارة أوروبا الغربية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 66 مليون نسمة، ولغتها الرسمية هي اللغة الفرنسية، وعملتها اليورو، وشعارها الذي تتبعه هو حرية، ومساواة، وإخاء، كما تلعب دوراً مهماً في تاريخ العالم، وذلك من خلال تأثير ثقافتها، ولغتها، وقيمها العلمانية، والديمقراطية في كافة قارات العالم، بالإضافة إلى أنها تعتبر مركزاً علمياً للموضة، والثقافة، ونمط الحياة، حيث يصل عدد زوارها ما يعادل 83 مليون سائح في السنة، وذلك نظراً لكثرة معالمها السياحية، وعلى رأسها برج إيفل، وشارع الشانزلزيه، وفي هذا المقل سنعرفكم على عادات وتقاليد فرنسا المتنوعة، والمختلفة. عادات وتقاليد فرنسا عادات وتقاليد فرنسا في العلاقات العامة يفضل الفرنسيون الخصوصية، ولابد من الإشارة إلى أنّهم يمتلكون قواعد للتعامل مع الأصدقاء، والمقربين. يتميز الفرنسيون بالتهذيب في جميع معاملاتهم على اختلافها. عادات وتقاليد فرنسا في آداب الاجتماع المصافحة أحد أشكال التحية الشائعة في فرنسا. التحية بين الأصدقاء، حيث تكون بتقبيل الخدين بخفة مرة على الخد الأيمن، ومرة على الخد الأيسر. التعامل مع الأصدقاء، وأفراد الأسرة، حيث يكون بالمناداة بالاسم الأول. المتوقع عند دخول أي متجر، أو مكان قول صباح الخير أو مساء الخير (bonjour او bonsoir)، وقول (au revoir) عند المغادرة. عادات وتقاليد فرنسا عند تقديم الهدايا يجب تقديم الهدايا في أعداد فردية، وتجنب رقم 13 حيث يعبر عن الحظ السيء لديهم. يتشاءم كبار السن من ورود الأقحوان، والزنابق البيضاء لأنها تستعمل في الجنازات. يفتح الفرنسيون الهدايا فور استلامها. عادات وتقاليد فرنسا عند الذهاب إلى مطعم ارتداء الملابس الأنيقة. الوصول في الموعد المحدد لتناول الطعام، إلا أنه يقبل التأخير لمدة عشر دقائق دون الحاجة للاتصال لشرح سبب التأخير. إرسال الزهور صباح المناسبة لعرضها في المساء خاصةً إذا كان حفل العشاء في باريس. عادات وتقاليد فرنسا في آداب المائدة وضع السكين في اليد اليمنى، وتوضع الشوكة في اليد اليسرى أثناء تناول الطعام. تجنب تناول الطعام قبل قول المضيف bon appetit. وضع اليدين بشكل مرئي مع تجنب وضع المرفقين على الطاولة. تناول كل الطعام الموجود في الطبق. تجنب تقطيع الفاكهة بالسكين، أو بالشوكة. تناول الفاكهة بعد تقشيرها، وتقطيعها. تجنب الجلوس بشكل عشوائي. عادات وتقاليد فرنسا في اجتماعات العمل تحديد المواعيد المهمة قبل أسبوعين من موعدها على الأقل. تحديد المواعيد عن طريق الهاتف، أو كتابياً. تجنب جدول الاجتماعات في شهر أغسطس، ويوليو وذلك لأنّ هذه الفترة تعتبر عطلة للشركات الرسمية. تجنب المطالبة بأمور مبالغ فيها. عادات وتقاليد فرنسا في اللباس ارتداء الرجال للبدل ذات اللون الداكن. ارتداء النساء للفساتين الأنيقة ذات الألوان الناعمة، أو الملابس المناسبة للعمل. ارتداء الاكسسوارت الثمينة، وذات النوعية الجيدة

alshamelnews

{picture#https://1.bp.blogspot.com/-XSB6eD5uNZY/XzOtz8Qxd3I/AAAAAAAAAxc/qAiFhWAjygI5p1u3Y05HD9F4bK_J8wSfgCLcBGAsYHQ/s0/%25D8%25B4%25D8%25A7%25D9%2585%25D9%2584.jpg} اعجبك المقال يرجى مشاركة الموضوع لتعم الفائدة
يتم التشغيل بواسطة Blogger.