قائل أنا الدّولة والدّولة أنا تُعدّ مقولة (أنا الدولة والدولة أنا) من المقولات الدالّة على السِّيادة والسُّلطة المركزيّة المُطلَقة، والتي تقوم في أساسها على أنّ الملك أو الحاكم لا يخضع لأيّ رقابة أو تحقّق من قِبَل أيّ هيئة أخرى؛ سواءً كانت هيئةً قضائيّةً، أو تشريعيّةً، أو انتخابيّةً، أو دينيّةً، أو حتى اقتصاديّةً، وقد كان ملك فرنسا لويس الرابع عشر هو المُجسّد لهذه الحكومة والسيادة المطلقة؛ خاصّةً في مقولته الشهيرة (أنا الدولة)؛ (بالفرنسيّة: L’État, c’est moi)، و(بالإنجليزيّة: I am the State)، والجدير بالذِّكر أنّ هذا الشكل من أشكال العبوديّة لم يكن موجوداً فقط في فرنسا، وإنّما وُجِد في جميع أنحاء العالم، مثل: ألمانيا النازيّة تحت إشراف أدولف هتلر، كما وُجِد في حكومة جوزيف ستالين الذي ترأّس الاتحاد السوفيتي سابقاً.[١] لويس الرابع عشر هو لويس العظيم، ويُعرَف أيضاً باسم الملك الشمس، وُلِد في 5 أيلول/سبتمبر من عام 1638م في فرنسا في سان جيرمان آن ليه، وقد حكم فرنسا في الفترة المُمتدّة بين 1643-1715م، وكانت فترة حكمه لها من أروع الفترات وأكثرها ازدهاراً، ولا يزال حُكمه حتّى اليوم رمزاً للحكومة الكلاسيكيّة المُطلَقة، وكان مقرّ حُكمه هو القصر الكبير خاصّته في فرساي.[٢] وقد كان حُكم الملك لويس الرابع عشر الذي استمرّ 72 عاماً أطول حُكم وسيادة أوروبيّة عُرِفت في ذلك الوقت، وقد حوّل الملكيّة في عصره واستولى على الأراضي الرئيسة في الدّولة، كما ازدهر الفنّ والأدب في عصره، وجعل من بلاده القوّة الأوروبيّة المُهيمِنة، وفي العقود الأخيرة من حُكمه ضعُفَت فرنسا بسبب الحروب الصليبيّة التي استنزفت مواردها، بالإضافة إلى الهجرات الجماعيّة للبروتستانت بعد أن ألغى الملك مرسوم نانت،[٣] الذي كان يضمن حريّة العبادة للبروتستانت، وقد رافق ذلك تعرّضهم لظلم واضطهاد كبيرين.[٢] أصبح لويس ملكاً لفرنسا عندما كان طفلاً في سنّ الرابعة بعد وفاة والده لويس الثالث عشر، عندها وُضِع تحت وصاية والدته آن ورئيس الوزراء الكاردينال مازارين، وقد كانت سنوات لويس مليئةً بلحظات التمرّد ضدّ والدته والكاردينال؛ حيث اندلعت حرب أهليّة تُدعى فروند في عام 1648م، الأمر الذي أجبر العائلة المالكة للانتقال من باريس، إلّا أنّ مازارين قمع التمرد والعصيان في عام 1653م، وقد سبّب هذا التمرد للملك الشابّ لويس الرابع عشر خوفاً وقلقاً من التمرّد مدى الحياة، كما انتقل إلى فرساي الواقعة جنوب غرب باريس، وعندما توفّي الكاردينال مازارين في عام 1661م، قرّر الملك لويس الرابع عشر البالغ من العمر 23 عاماً أن يستلم الحُكم، دون الاستعانة برئيس وزراء، وعدّ نفسه ملِكاً مُطلَقاً يستمدّ قوّته من الله، كما اتّخذ من الشمس شعاراً له، وعندما بنى قصره في فرساي في الفترة 1661-1689م جعله مقرّاً لحُكمه، وكان قد نقل حكومته رسميّاً إليه في عام 1682م.[٤][٣] على الصعيد العاطفيّ، أحبّ لويس ابنة أخت مازارين وهي ماري مانشيني، وقد كافح هذا الحبّ لمدّة عامين؛ حيث اتّخذ موقفاً متوسّطاً بين مشاعره وواجبه نحو وطنه، إلّا أنّه تزوّج في النهاية ابنة ملك إسبانيا فيليب الرابع وهي ماري تيريز، وكان زواجه منها في عام 1660م حينما بلغ من العمر 22 عاماً، وكان ذلك بسبب المتطلبات السياسيّة، ومن أجل تدعيم السلام بين فرنسا وإسبانيا؛ حيث نشبت حرب بين البلدين منذ عام 1635م، ممّا أدّى إلى انتقال مقرّ السيطرة الأوروبيّة من هابسبورغ إلى البوربون، كما أصبح الملك الفرنسي جندياً، ولهذا كان على الملك لويس أن يخدم في ساحة المعركة، إلّا أنّ مازارين استطاع في النهاية أن يُعيد النظام الداخليّ إلى فرنسا، ويتفاوض مع إسبانيا على السلام، وقد كان زواج لويس من ماري تيريز ضرورةً سياسيّةً ودبلوماسيّةً ليس أكثر، ونتج عن زواجهما ستّة أطفال، لم يبقَ على قيد الحياة ويصل إلى سنّ الرشد منهم سوى طفل واحد فقط، وهو لويس الذي عاش في الفترة بين عامَي 1661-1711م.[٢][٣] حُكم لويس الرابع عشر لقد كان رعايا لويس الرابع عشر يُطرون عليه باستمرار، وقد اختلفت الأحكام المُلقاة عليه وعلى طريقة حُكمه؛ لاختلاف الآراء السياسيّة من شخص إلى آخر؛ حيث تمّ وصفه بالنّمر المُتعطّش للدماء، إلّا أنّه كان مثالاً عظيماً للنظام الملكي الذي جلب إلى فرنسا قوتها وذروة تطوّرها، وقد اتّهمه البعض بأنّه قضى على النظام الملكيّ وشوّهه من خلال سياساته وعزله للحكومة عن الشعب، وتركيزه لجميع أجهزة الدولة في يديه، الأمر الذي يجعل من الملكيّة عبئاً كبيراً على كاهل الإنسان ومتجاوزاً لقوته، فاعتبروا أنّ هذا خطأ لا يمكن أن يُغفَر له.[٢] وقد تألّق لويس الرابع عشر في حُكمه لما حقّقه من الانتصارات العسكريّة والفتوحات، وفي عهده اعتمدت الطبقة الأرستقراطيّة في أوروبا اللغة والعادات الفرنسيّة ليُصبحا نظام حياتها. عُرِف لويس بقساوته، وشجاعته، وشغفه وحبّه للنّظام، بالإضافة إلى اتِّسامه بجنون العَظَمة والتعصّب للدين، وعُرِف أيضاً بحبّه للفن والجمال، وعدّ كلّ تلك الأمور من ضروريّات الحُكم والسيطرة، وكان يقول: إنّه يريد من فرنسا أن تكون قويّةً، وعظيمةً، ومزدهرةً، إلّا أنّه لم يكن يهتمّ لرفاهيّة الشعب الفرنسيّ، وعلى الرغم من أنّه كان طاغيةً، وكان يدفع جنوده إلى ارتكاب أمور فظيعة، إلّا أنّ فولتير قال عنه: إنّه خلّد تاريخاً لا يُنسى، وأنّه لا يمكن أن يُذكَر اسمه دون احترام،[٢] فقد ترك علامةً لا يمكن محوها من ثقافة فرنسا وتاريخها، وكان ممّن حقّق نجاحاً مثيلاً لنجاحه حفيده لويس الخامس عشر