المرتدون بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- استلم أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- الخلافة لتسييرِ أمور الدولة الإسلاميّة، وفي ذلك الوقت عصفت بالأمة الإسلاميّة أحداث جِسام، حيث ظهرت في الدولة الإسلاميّة حركة تدعو إلى الارتداد عن الإسلام بمنع إخراج الزكاة، والتي تعتبر ركناً من أركان الإسلام، وقد تأثّر بعض ضعفاء الإيمان من ذلك، ممّا أدّى إلى ارتداد بعضهم عن أداء الزكاة؛ فحاربهم أبو بكر الصدّيق، رضي الله عنه. وقد حدثت العديد من الوقائع والمعارك التي التقى فيها المسلمون مع المرتدّين، فما هي أشهر المعارك التي خاضها المسلمون ضدّ المرتدين؟ أشهر معركة مع المرتدين بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- واستلام أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- للخلافة، قرّر أبو بكر محاربة المرتدين وقتالهم؛ ليعودوا إلى الإسلام. فأرسل أبو بكر السرايا إليهم، وكان من بين تلك السرايا سريّة عكرمة بن أبي جهل حيث أُرسل إلى مسيلمة مع معسكرٍ من الجيش، ثمَّ أُرسلت سريّة شُرحبيل بن حسنة رضي الله عنه، أمّا عِكرمة فقد انهزم أمام مسيلمة، وعندما عَلِم شُرحبيل بن حسنة بخبر انهزام عكرمة أقام في الطريق.[١] وكان عكرمة قد كتب إلى أبي بكر ليُعلِمَه بما حصل فأرسل إليه أبو بكر رسالةً قال فيها: (يا ابن أُمِّ عكرمة لا أرينك ولا تراني، لا ترجع فتُوهِن الناس، امضِ على وجهك حتى تساند حذيفة وعرفجة فقاتل معهما أهل عُمان ومهرة، وإن شُغلا فامضِ أنت، ثمَّ تسير وتُسيّر جندك تستبرئون من مررتم به، حتى تلتقوا أنتم والمهاجر بن أبي أميَّة باليمن وحضرموت). وبعد ذلك كتب أبو بكر إلى شُرحبيل لينضمَّ إلى جيش خالد بن الوليد الذي أُرسل إلى مالك بن نويرة، فالتقى الجيشان وسارا جهة اليمامة لقتال المرتدين.[١] لمّا علِم مسيلمة بأنَّ خالد بن الوليد قد اقترب، وضع مسيلمة جنده في منطقة عقرباء، والتقى الجيشان في صباح اليوم التالي، وانهزم المسلمون في بداية المعركة لشدَّة قوة ومنعة جيش مسيلمة، حيث كان عدده مئة ألف مقاتل بينما كان عدد المسلمين اثنا عشر ألفاً، وقام بنو حنيفة باختراق جيش المسلمين حتى وصلوا إلى ما قبل مؤخرة الجيش، وكادوا أن يقتلوا زوجة خالد بن الوليد، وقد قدَّم الصحابة مواقف بطوليّة في هذه المعركة مثل: ثابت بن قيس الذي استشهد في هذه المعركة، وأبو حذيفة، وزيد بن الخطّاب الذي قتل قائد ميسرة المرتدين واسمه نهار الرجال، ممّا أدّى إلى إضعاف همّة المرتدين واشتدَّ القتال بين الجيشين وقاتل خالد ومن معه جيش العدوّ قتالاً شديداً، وهزم المسلمون المرتدين بأمر الله بعد قتل مسيلمة الكذّاب على يد وحشيّ بن حرب ورجل من الأنصار، وأعلن المرتدون استسلامهم.[١] الردّة قبل وفاة النبي تعود حادثة الردّة عن الإسلام إلى العام التاسع الهجري حيث عمَّ الإسلام الجزيرة العربية، وجاء بنو حنيفة إلى المدينة المنورة ومعهم مسيلمة الكذّاب، ويرأسهم سلمى بن حنظلة، وكان معهم الرجَّال بن عنفوة أحد وجهاء بني حنيفة، وقد التقوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإجراء بعض المباحثات، وإعلان إسلامهم، أملاً في الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.[٢] كان بنو حنيفة من أعظم القبائل العربية جاهاً، ومكانةً، ومنعةً، وكان مُسيلمة الكذّاب قد طلب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يوصي له بالخلافة فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه، وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت)،[٣] واجتمع وفد بني حنيفة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد بدون مسيلمة الكذّاب، وقد كان ذلك متعمّداً، وخرج الوفد وقد أعلنوا إسلامهم، وقدّم لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- جوائزهم، وعاد وفد بني حنيفة إلى ديارهم، فأعلن مسيلمة الكذّاب أنّه نبيٌّ مُرسل من الله تعالى.[٢] كان من بني حنيفة رجل يُدعى نهار الرِّجال بن عنفوة استغل وجوده في المدينة المنورة فتعلّم القرآن الكريم وأحكام الفقه، فكان ذو بصيرةٍ وذكاءٍ، ممّا شجّع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جعل نهار الرجال معلّماً لأهل اليمامة ومرشداً لدينهم، ويردَّ من اتبع منهم مسيلمة الكذّاب، ويزجر مسيلمة الكذّاب على أفعاله، ويشحذ همم المسلمين، ولكن تبيّن بعد ذلك أنَّ فتنة نهار الرجال أعظم من فتنة مسيلمة الكذّاب، فقد كان تعلّمه للإسلام وتفقهه في الدين رياءً، فقد أقرّ بنبوة مسيلمة الكذّاب، وقد وضع مسيلمة الكذّاب جميع ثقته بنهار الرجال وكان يستشيره في أموره. قائد المرتدين كان قائد المرتدين مسيلمة بن ثمامة من بني حنيفة، وكان قد تسمّى بالرحمان، وأُطلق عليه رحمانُ اليمامة، وكان قد ادّعى النبوة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام بالكثير من أعمال الدّجل، فأخزاه الله -تعالى- وأظهر كذبه، ولُصقَ به لقب الكذّاب، وكان إذا أراد إظهار بعض الكرامات والمعجزات ادّعاءً وكذباً وتشبُّهاً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أخزاه الله، وقلب الأمر عليه وأظهر كذبه.[٤] وقد ذكر الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية أنَّ مسيلمة الكذّاب بصق في بئر فغاض ماؤها، وسقى بماء وضوئه نخلةً فيبِست، ومسح مرةً على غلامين فأُصيب أحدهم بالقرع، والآخر صار ألثغ اللسان، ودعا مرةً
لرجلٍ أصابه ألم في عينيه، فأصاب العمى ذلك الرجل.[٤]
إرسال تعليق