عند مقارنة علم الحيوان في التراث العربي مع فروع علم الحيوان الحديث، قد نلاحظ أنه يغلب عليه طابع المعرفة الشعبية أكثر من الطابع العلمي الأكاديمي، فلا يظهر مثلاً أي تطرق للأصول الوراثية للأنواع الحيوانية أو تلميح للقرابات الوراثية بين الأنواع و التي يقوم على أساسها التصنيف العلمي . و لكن هذه النتيجة طبيعية، ففي فترة نشاط التأليف و الترجمة عند العرب لم تكن قد نشأت بعدُ نظريات التطور التي كان تشارلز داروين أحد أهم روادها . أما في فترة ظهور و تبلور أفكار و نظريات التطور فقد كانت حركة التأليف و الترجمة في أضعف مراحلها خلال فترة الاحتلال العثماني لمعظم الأقطار العربية . لذلك فقد ظلت المؤلفات الكلاسيكية القديمة هي السائدة لفترة طويلة من الزمن كمصدرٍ رئيسيٍ للمعرفة في مجال علم الحيوان دون أن تطرأ على معلوماتها تغييرات تُذكر . أما بالنسبة للبيطرة فقد حازت على مجال أكبر من البحث العلمي و اللغة العلمية في التراث العـربي، و ذلك عند مقارنتها بعلم الحيوان العام . و يبدو ذلك واضحاً من ناحية تشخيص الأمراض و علاجها، و كذلك الوقاية منها . كما أن البيطرة كانت أبعد عن الأساطير و الخرافات التي داخلت بعض نواحي علم الحيوان في التراث العربي . و اهتمام العرب بالجواد كان لا بد و أن يكون مقروناً بالاهتمام بعلله و تطبيبها، و هذا ما حفَّز بشكلٍ كبيرٍ تطورَ البيطرة عند العرب, و لا شك أن هذا الاهتمام نشأ عند العرب منذ بدؤوا بتدجين الخيل و استخدامها وسيلةً للتنقل و الحروب . و لهذا فليس من الغريب كثرة المؤلفات التي تناولت موضوع البيطرة عبر تاريخ العرب . و في هذا الصدد، من العسير الفصل بين البيطرة و علم الحيوان في مسارين مختلفين في التراث العربي أبرز أعلام البيطرة و علم الحيوان عند العرب : لقد أجريت بحوث و دراسات متوالية و كثيرة من أجل إيضاح تطور و تقدم الطبابة البيطرية في عصر الحضارة العربية الإسلامية . و قد عُثِرَ على الكثير من المؤلفات المشهورة و التي تنسب إلى بعض المؤلفين العمالقة في هذا المجال من أمثال ابن أخي خزام و ابن العوام و أبو بكر بن المندحر البيطار و غيرهم . سنذكر هنا بعضاً من أهم علماء العرب الذين كتبوا في علم الحيوان و البيطرة, مرتَّبين وفق تواريخ ميلادهم : 1- الجاحظ : هو أبو عثمان عمرو بن بحرالجاحظ البصرى , ولد سنة 776 للميلاد , و الشىء الهامّ هنا أن الجاحظ عاصر العصر الذهبي للأمّة الإسلامية, عصر العلوم و الآداب و الفنون التي زخرت بها معاهد البصرة و بغداد و الكوفة و غيرها من مدن الإسلام, و كان حينها النشاط شديداً بشكلٍ ملحوظٍ في مجال التأليف والترجمة . يعد كتاب الحيوان -وهو من مؤلفات الجاحظ الأخيرة- أولَ كتابٍ وُضِعَ بالعربية جامعٍ في علم الحيوان , حيث أن من كتبوا قبل الجاحظ في هذا المجال أمثال الأصمعي و أبي عبيدة و ابن الكلبي و ابن الأعرابي و السجستاني وغيرهم, كانوا يتناولون حيوانًا واحدًا كالإبل أو الطير أو النحل, وكان اهتمامهم الأول و الأخير بالناحية اللغوية و ليس العلمية, و لكن الجاحظ اهتم إلى جانب اللغة و الشعر بالبحث في طبائع الحيوان و غرائزه و أحواله و عاداته. و لأن الجاحظ كان غزير العلم و مستوعبًا لثقافات عصره, فقد كانت مراجعه في كتبه تمتد لتشمل القرآن الكريم و الحديث النبوي و التوراة و الإنجيل و أقوال الحكماء و الشعراء و علوم اليونان و أدب فارس و حكمة الهند بالإضافة إلى تجاربه العلمية و مشاهداته و ملاحظاته الخاصة, و التي أدرجها في الكتاب بأسلوبٍ فريدٍ يدل على عالِمٍ فذٍّ في أمور الحيوان و كثيرٍ من الأمور الأخرى التي اشتمل عليها الكتاب من معارف طبيعيةٍ و فلسفيةٍ و سياسيةٍ و طبيةٍ و جغرافيةٍ , و مسائل فقهيةٍ , و شعرٍ و نوادر و فكاهة. 2- ابن أخي خزام : عاش العالِم أبو يوسف يعقوب بن أخي خزام في القرن التاسع الميلادي، و قد كتب كثيراً من المؤلفات في مجال تربية الحيوان و خاصةً تربية الخيل، و من مؤلفاته الشهيرة في مجال الطبابة البيطرية كتاب (الخيال و البيطرة)، و قد عُثر على نسخة مصورة من هذا الكتاب في إحدى مكتبات اسطنبول و لم يُعرف متى تُرجم إلى اللغة التركية، و قد نسخ عام 1536 م، و هو مسجل في المكتبة السليمانية تحت رقم 3535 و مقياسه 20*30 سم و عدد صفحاته 314 صحيفة .و مما يذكر أنه منذ مطلع القرن التاسع الميلادي أخذت حركة الترجمة إلى اللغة العربية بالتقدم و التطور، كما أن الطب عند العرب المسلمين بصورة عامة أخذ بالازدهار و التطور، و كان هذا التطور مشفوعاً دوماً بتطورٍ مشابهٍ في علم البيطرة .لقد حرص الخلفاء العباسيون آنذاك على تنشيط و تطوير المضمار العلمي، و كان من بين هؤلاء الخلفاء الذين ساعدوا على الرفع من مستوى العلم الخليفة العباسي السابع المأمون (813-838 للميلاد) و قد كان غيوراً على العلم و محباً للعلماء مثله في ذلك مثل الخليفة هارون الرشيد، و قد أسس المأمون أكاديمية العلوم في بغداد و ساعد على جمع و ترجمة الكثير من الآثار اليونانية . و قد قدم المكافآت للعلماء لقاء نشرهم للكتب العلمية، و كان يتعاون مع المعتصم من أجل جلب العلماء الأجانب و استهوائهم بغية الاستفادة منهم .و كذلك فإن الخليفة المتوكل (847-861 للميلاد) كان يشجع على الترجمة و يكافئ المترجمين و العلماء بمكافآت مادية مجزية، إذ أنه كان يعطي المترجم ذهباً بمقدارٍ يتناسب مع وزن الكتاب الذي تُرجم، و كانت الترجمة بصورة عامة تتم تحت إشراف حنين بن إسحق .و في مقدمة كتاب الخيال و البيطرة يذكر ابن أخي خزام بأن الحصان حيوان قيم، و يشير إلى أهمية تغذية و تطمير الحصان و معالجة العرج عنده .و من أقوال ابن أخي خزام الشهيرة في الحصان : "كنت قد جربت كل العلاجات المفيدة عندما أسمع بحالةٍ مرضيةٍ عند الحصان، و قد كنت أستفيد من جميع المصادر و المؤلفات القديمة، و قد كتبت هذا الكتاب الذي يضم ثلاثين باباً و بحثت في اعظمها في عيوب و مناقص الحصان الخلقية و المكتسبة و وجدت أن البغال و الحمير و الجمال حيواناتٌ مفيدة في الحروب، و لذلك فإني كتبت في معالجتهم و مشاكلهم كما أنني تطرأت في البحث عن الأغنام و الأبقار " .تعود الأقسام الأولى من الكتاب إلى علمٍ يدعى علم تدريب الخيل ، يليها بابٌ جيد في الولادة و مشاكلها ترك فيه المؤلف الاعتقادات الباطلة المتعلقة بالحمل و الولادة و لجأ إلى طرقٍ سليمةٍ و مبتكرة . و في باب المعالجة و المداواة يذكر المؤلف أنه استفاد من كثيرٍ من الأطباء اليونانيين، و حتى أنه يشير إلى مصادر الاستفادة أحياناً .و من المؤلفات الهامة أيضاً لابن أخي خزام كتاب (الفروسية) و هو أول كتاب باللغة العربية في موضوع الطبابة البيطرية . و عموماً نلاحظ أن هذا العالم العربي العملاق ليس مجرد مؤلفٍ نظري في مجال علم البيطرة، إنما هو بيطري اعتمد بشكلٍ كبيرٍ على تجاربه الشخصية في هذا المجال، و أفضل مثالٍ على ذلك طريقة معالجة الاستسقاء (الحبن)، بالإضافة إلى الأفكار الجديدة التي أدخلها في معالجة أمراض الحافر و القوائم، كما بين ضرورة عزل الحيوانات المصابة بخناق الخيل و الأغنام المصابة بالتهاب الظلف لكون هذه الأمراض ساريةً و قابلةً للانتقال إلى الحيوانات السليمة . - لم يُعثر إلى الآن على أي أثرٍ يخص علم الحيوان الطبابة البيطرية في القرنين الميلاديين العاشر و الحادي عشر . 3- أبو زكريا يحيى بن محمد بن العوام الإشبيلي : ولد في إشبيليا في القرن الثاني عشر الميلادي و كان مشهوراً جداً في مجال الزراعة و البيطرة، و لم يصلنا عن حياة ابن العوام إلا القليل, كما لم يصلنا إلا كتابٌ وحيدٌ له هو كتاب "الفلاحة", و ذلك بسبب ما عاصره ابن العوام من حروب أضاعت معظم إنتاجه الضخم. كتب ابن العوام كتابه الشهير (الفلاحة) في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، و تُرجم هذا الكتاب إلى اللغة التركية عام 1590 من قبل محمد بن مصطفى و يوجد نسخة من هذه الترجمة في المكتبة العامة باستانبول في قسم ولي الدين تحت رقم 2534 و يذكر Brocklmen أنه يوجد نسخة أخرى من هذه الترجمة في مكتبة بورصا العامة في تركيا. كما تُرجم الكتاب إلى اللغة الفرنسية في الفترة بين عامي 1864 و 1867 إلا أن هذه الترجمة كانت منقوصة و غير كافية. يقع الكتاب في 34 باباً، خصصت الأبواب الثلاثة الأولى و البالغ عدد صفحاتها 394 صفحة للبحث في علم الزراعة، أما الأبواب الأربعة الأخيرة فقد خُصصت للبحث في علم الطبابة البيطرية، و قد ركز ابن العوام البحث في الابواب الاخيرة حول العالم أرسطو و ديوسكوريدس و جالين و كيسينوس و القسطاس و الأصمعي و بصورة خاصة حول ابن أخي خزام . في الباب الحادي و الثلاثين من كتاب الفلاحة أي الباب الاول في طب الحيوان يبحث ابن العوام في موضوع الانتخاب و تحسين النوع عند الأبقار و الأغنام و الماعز كما يتعرض لمدد الحمل و لبعض الأمراض التي يمكن أن تصيب مثل هذه الحيوانات. و المعلومات المنشورة في هذا الكتاب حول انتخاب و انتقاء الأبقار الجيدة هي معلوماتٌ كافيةٌ و مفصلة، و يذكر المؤلف أن الأبقار يمكنها أن تلد مولوداً واحداً أو توأم، و يمكن اقتناء البقرة بغية الإنتاج لمدة خمس عشرة سنةً كما حدد العمر الذي يمكن أن تلقح فيه البكاكير و هو عمر سنة على الأقل فما فوق، و أن الابقار يمكنها ان تلد خمسة عشرَ بطناً على الأكثر خلال فترة حياتها كلها. كما قدر فترة الحمل بأنها تسعة أشهر و عشرة أيام و قد أشار إلى أن العقم ما هو إلا نتيجة للسمنة الزائدة، كما أشار إلى أن الثور الجيد يكفي لتلقيح عشرين بقرةً، و قد أعطى ابن العوام بعض النصائح حول معاملة الحيوان و تطبيعه بالطباع الجيدة و الهادئة.و بيَّن أيضاً أن الأبقار في المراعي يمكن أن تتعرض للاصابة بمرضين أساسيين أحدهما يشبه مرض النقرس و الآخر يشبه مرض الملاريا عند الإنسان, و قد أشار المؤرخ البيطري Smith إلى أن المرض الأول يمكن أن يكون الحمى القلاعية و الثاني التهاب الرئة الساري. هذا و قد تعرض لانتخاب الأغنام و تحسين أنواعها و قال يجب أن يتوفر في الصوف الطول و الكثافة و النعومة.و قال بأن مدة الحمل عند الاغنام خمسة أشهر، و أشار إلى أن بعض الأغنام الجيدة يمكنها أن تلد مرتين في السنة الواحدة و يمكنها أن تكون على شكل توأم و يمكن للغنمة أن تعطي 8-11 بطناً خلال فترة حياتها كلها و أن كبشاً واحداً يكفي لتلقيح 20-25 غنمة. و ذكر ابن العوام أن الخصي عند الأغنام يسبب السمنة و أن حليب الاغنام من أجود أنواع الحليب من أجل صناعة الجبن و يعقبه حليب البقر و الماعز، و يمكن للماعز أن تلد مرةً واحدةً و لكن إذا ما قدم لها الغذاء المناسب، و كان الجو معتدلاً فيمكنها أن تلد مرتين في السنة . و في الباب الثاني و الثلاثين يوضح ابن العوام عملية انتخاب الحيوانات الجيدة من أجل السفاد و يحدد فترة التلقيح و يقدر فترات الحمل و أعمار هذه الحيوانات و طرق تغذيتها، كما يبحث في علاجات العادات السيئة عند هذه الحيوانات، وقد ذكر بأن مدة الحمل عند الأتان هي 12 شهراً و يذكر أيضاً أن البغل ينتج حصيلةً لتلقيح الحمار للفرس. و مما يذكر في الكتاب أن مرض الرعام من الأمراض الخطيرة عند الفصيلة الخيلية، و قد بحث ابن العوام في الشروط الصحية التي يجب توفرها في حظائر الحيوانات، و في الباب 33 بحث في بعض أمراض الخيول مثل التهاب الملتحمة و جرب الجفون و معالجته و في أمراض الأنف و البلعوم و الشفاه و الآذان و التهاب اللثة و أمراض الأسنان و شلل العصب الوجهي و قد بين أن التهاب البلعوم من أهم أعراض مرض خناق الخيل الساري .هذا و قد أوضح ابن العوام الكثير من الأمراض التي كانت غامضة إلى حد ما في الدور الذي سبقه. و يشير ابن العوام إلى أنه استفاد من مؤلفات ابن أخي خزام كثيراً في كتابة قسم الطبابة البيطرية من كتاب (الفلاحة)، و خصوصاً فيما يتعلق بأمراض الحافر التي ضلع بها ابن أخي خزام . كما يشير إلى أنه لم يعتمد في هذا المجال على أيٍّ من المراجع البيزنطية و الرومانية . يقول المؤرخ البيطري Smith أن كتاب (الفلاحة) هو من أفضل و أجود الآثار العلمية التي كتبت في القرن الثاني عشر في مجال طب الحيوان . و يشير العالم Brocklmen إلى أن أفكار ابن العوام تقارب أفكار اليونانيين القدماء . و يذكر Froehner بأن ابن العوام استفاد من المصادر اليونانية و الرومانية و العربية القديمة، و أنه ذكر بذاته أنه وفَّق بين أفكار العلماء الذين سبقوه و بين أفكاره و آرائه الذاتية. و يمكن القول أن كتاب ابن العوام في مجال تاريخ الزراعة و البيطرة هو من أهم المصادر العلمية التي صدرت في القرن الثاني عشر في مجال علم الحيوان و البيطرة، فقد كان المرجع الأساسي في أمراض الحافر في عصر الحضارة الإسلامية، كما أعطى معلوماتٍ صحيحةً في علم تربية الدواجن، و كان نادراً ما يؤمن بالخرافات و الأفكار الباطلة . 4-القزويني : هو زكريا بن محمد بن محمود القزويني، يرجع بنسبه الى الإمام أنس بن مالك . ولد القزويني في العراق (قزوين) و عاش ما بين 1203-1283 للميلاد , و قد عمل قاضياً, و يعتبر القزويني من العلماء البارزين في هذا العصر . وضع القزويني كتاباً سماه (عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات) تعرض فيه فيما تعرض للبحث في الحيوان . و قد بحث الكتاب في الكثير من العلوم الأخرى كالفلك و البحار و البيئة و النباتات و الجغرافيا و غير ذلك من العلوم . و على الرغم من عدم تخصص الكتاب بالبحث في الحيوان إلا أنه شكَّل وثيقةً هامةً في مجال معرفة خصائص الحيوانات و عاداتها و طباعها . 5- عبد المؤمن الدمياطي : ولد في دمياط عام 1217 للميلاد و عاش في مصر , عمل أستاذاً في المدرسة المنصورية التي أسسها السلطان المملوكي المنصور قلاوون الذي حكم بين عامي 1279 و 1290 للميلاد, و كان باحثاً اجتماعياً في موضوع العادات و التقاليد, و من أهم ما تركه من مؤلفات كتاب (فضل الخيل), و فيه قام بالبحث حول كل ما يخص الخيل, ففي الجزء الأول يبحث في قيمة الخيول المقدسة التي تشترك في الحروب, و في الجزء الثاني يشير إلى منع خصي الخيل, و في الجزء الثالث يبحث في انتخاب الخيول و يوضح الأثواب المفضلة عندها, و في الجزء الرابع يبحث في العلامات الفارقة التي تدل على الشؤم عند الخيل, و في الجزء الخامس يتحدث المؤلف عن منع السباق من أجل المكافآت بين الحيوانات ما عدا الخيول و الإبل, و في الجزء السادس يشير إلى الغنائم و كيف تعطى للأوائل, و في الجزء السابع يتحدث عن إعفاء خيول المسلمين من الضرائب, أما في الجزء الثامن فيذكر أسماء خيول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم . إذن فمن الواضح أن كتاب (فضل الخيل) كان من الكتب التي ظهر فيها تخصصٌ واضحٌ في الحديث عن نوعٍ حيوانيٍ معينٍ دون غيره, و ذلك على عكس بعض المؤلفات الأخرى التي نتناولها بالبحث . 6- الملك الأشرف عمر الرسولي : هو الأشرف عمر بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول، ثالث سلاطين الدولة الرسولية التي أسسها جده نور الدين عمر بن علي بن رسول في اليمن عام 1229 للميلاد . ألَّف الأشرف عمر كتاب (المغني في البيطرة) الذي توجد منه ست نسخٍ مخطوطة ثلاثٌ منها في الفاتيكان و واحدة في مكتبة أمبروزيانا بميلانو و واحدة في مكتبة المخطوطات بجامعة الكويت و الأخيرة في مكتبة سمو سيف الإسلام عبد الله . تدل محتويات الكتاب على معرفةٍ فريدةٍ لدى المؤلف بعلم الحيوان و البيطرة، و أغلبُ المعالجات المذكورة مخالفةٌ جداً لكتب البيطرة الأخرى حيث اعتمدت بشكلٍ رئيسيٍ على التجارب الشخصية للمؤلف في علاج أمراض الحيوان . يضم الكتاب تسعين باباً خُصِّصت الأبواب الأربعة الأولى لذكر الخيل و أسمائها و صفاتها، و بدءاً من الباب الخامس يعرض المؤلف أمراض الخيل و علاجاتها و أدويتها حتى الباب السادس و السـبعين، ثم ينتقل إلى الحـديث عن البغال و الحمير والإبل و الجمال و الأبقار و الضأن و الماعز . 7- المجاهد علي الرسولي : هو علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول، و كان السلطان الخامس الذي حكم اليمن من سلالة الرسولي، و هو ابن أخ الملك الأشرف عمر الرسولي، و قد دام حكمه من عام 1321 حتى عام 1362 للميلاد، و كان شاعراً و عالماً و محباً للعلم و العلماء، و قد كتب كتابه المشهور (الأحوال الكافية و الفصول في علم البيطرة) و قسمه إلى ستة أقسام يتعرض فيها لأصول التكاثر و التناسل عند الحيوانات كالخيل و البقر و الأغنام و الجاموس و الجمل و الحمار و الفيل، كما يبحث في أصول تربيتها و رعايتها . و يتميز هذا الكتاب بقيمة عالية من ناحية علم الحيوان و تربيته بسبب تعرضه المفصل للفيل و الجمال لأن هناك عالماً معاصراً للمجاهد علي الرسولي هو أبو بكر بن بدر الدين بن المندحر البيطار كان قد خصص كتابه (الناصري) للبحث حول الحصان . و قد أفرَدَ المجاهد علي الرسولي كتاباً آخر للحديث عن الخيل و كل ما يتعلق بها،و هذا الكتاب هو (الخيل و صفاتها و أنواعها و بيطرتها). و في عام 1327 بحث الرسولي في المرض الذي حل بخيول اليمن آنذاك و قد أكد على أنه طاعون الخيل و قد استفاد في تأليف كتابه من مصادر عربية بحتة و من تجاربه الشخصية الناجحة . و قد ترجمت بعض أقسام الكتاب إلى اللغة الفرنسية في عام 1860 من قبل الكاتب المؤرخ A.Perron . 8- أبو بكر بن بدر الدين بن المندحر البيطار : من أعظم الأطباء البيطريين في عصر الحضارة الإسلامية (العصور الوسطى)، و قد عاش بين عامي 1293 و 1341 للميلاد . و كتب أثره الشهير (كامل الصنعتين البيطرة و الزردقة ) الذي شهد به علماء التاريخ الغربيون بأنه أفضل كتاب بحث في مجال الطب البيطري في ذلك العصر, و الاسم الذي اشتهر به هذا الأثر هو (الناصري) بسبب إتحافه للملك الناصر، و هو يبحث في علم البيطرة و علم الحصان . و يذكر في كتاب (قاموس العالم) أن بدر الدين البيطار من العلماء المشهورين في الطب البيطري، و كان قد أمضى حياته في مصر تحت تصرف الملك الناصر. كما أنه كتب كتاباً يحتوي على فصلين و عشرة مقالات حول البيطرة الفنية، وَصَف فيه الفرس الجيدة من أجل التوالد و التناسل و بيَّن طرق انتخابها و كيفية تربيتها و رعايتها، كما يبحث في أمراضها و الأدوية المستعملة من أجل علاجها. و قد تم العثور على نسخة كاملة من الكتاب المذكور (الناصري) في إحدى مكتبات بورصا في تركيا و هو مسجل تحت رقم 1122 . و يوضح المؤلف أنه استفاد من علماء عربٍ وبعض العلماء اليونانيين من أمثال أرسطو Aristo و هرمس Hermes و هيبوقراط Hipokrat و ابن أخي خزام و غيرهم . 9- كمال الدين الدميري : عاش بين عامي 1344 - 1405 للميلاد, و هو عالمٌ مصريٌ اتجه نحو كتابة الموسوعات العلمية و هو خريج كلية الشريعة في مصر, و قد ألَّف أثراً ضخماً أسماه (حياة الحيوان), و ذلك عام 1372 للميلاد, و بحث في كتابه في مواضيع الحيوانات الخيالية و الحقيقية, و في الكتاب ما ينوف عن تسعمائة نوعٍ من الحيوانات بيَّن الكاتب أسماءها و فصائلها و طبائعها مع وصفٍ عامٍ لها و ما يُروى عن خصائصها . و يُعتبر الكتاب موسوعةً في عالم الحيوان، تناول فيه مؤلفه الكلام عن الحيوانات على أنواعها ٍ: البرية التي تعيش على اليابسة سواءً كانت من ذوات القوائم أم من الزواحف، ومن الفقاريات أم من الحشرات و الرخويات , و بعض الأحياء المائية و بعض البرمائيات التي تعيش على اليابسة و في الماء معاً ، ثم الطيور على أنواعها .و قد رتب أسماء الحيوانات على اختلاف أنواعها و التي تناولها بالوصف والإيضاح على حروف المعجم، و بلغ عدد الحيوانات التي تناولها 1098 نوعاً مختلفاً.و الكتاب فضلاً عن كونه موسوعةً في عالم الحيوان، فهو يشتمل على معارف كثيرةٍ في اللغة، و الأدب و الفقه و الحديث و التاريخ و الحِكَم التي تُروى على ألسنة الحيوانات، و الأمثال التي يتناقلها العرب منذ القدم، و المستوحاة من طبائع الحيوان و سلوكه و عاداته و غير ذلك. و يُعدُّ الكتاب مرجعاً لغوياً لأسماء الحيوانات و الطيور و الأسماك، فعندما يتناول المؤلف الكلامَ عن الحيوان يذكر اسمه أولاً و اشتقاق اسمه، و ما يُعرف به أيضاً من أسماء أخرى و مرادفاتٍ لاسمه، والمفرد و الجمع، و المذكر و المؤنث منه، و اسم أو أسماء صغاره
البيطرة و علم الحيوان في التراث العربي
عند مقارنة علم الحيوان في التراث العربي مع فروع علم الحيوان الحديث، قد نلاحظ أنه يغلب عليه طابع المعرفة الشعبية أكثر من الطابع العلمي الأكاديمي، فلا يظهر مثلاً أي تطرق للأصول الوراثية للأنواع الحيوانية أو تلميح للقرابات الوراثية بين الأنواع و التي يقوم على أساسها التصنيف العلمي . و لكن هذه النتيجة طبيعية، ففي فترة نشاط التأليف و الترجمة عند العرب لم تكن قد نشأت بعدُ نظريات التطور التي كان تشارلز داروين أحد أهم روادها . أما في فترة ظهور و تبلور أفكار و نظريات التطور فقد كانت حركة التأليف و الترجمة في أضعف مراحلها خلال فترة الاحتلال العثماني لمعظم الأقطار العربية . لذلك فقد ظلت المؤلفات الكلاسيكية القديمة هي السائدة لفترة طويلة من الزمن كمصدرٍ رئيسيٍ للمعرفة في مجال علم الحيوان دون أن تطرأ على معلوماتها تغييرات تُذكر . أما بالنسبة للبيطرة فقد حازت على مجال أكبر من البحث العلمي و اللغة العلمية في التراث العـربي، و ذلك عند مقارنتها بعلم الحيوان العام . و يبدو ذلك واضحاً من ناحية تشخيص الأمراض و علاجها، و كذلك الوقاية منها . كما أن البيطرة كانت أبعد عن الأساطير و الخرافات التي داخلت بعض نواحي علم الحيوان في التراث العربي . و اهتمام العرب بالجواد كان لا بد و أن يكون مقروناً بالاهتمام بعلله و تطبيبها، و هذا ما حفَّز بشكلٍ كبيرٍ تطورَ البيطرة عند العرب, و لا شك أن هذا الاهتمام نشأ عند العرب منذ بدؤوا بتدجين الخيل و استخدامها وسيلةً للتنقل و الحروب . و لهذا فليس من الغريب كثرة المؤلفات التي تناولت موضوع البيطرة عبر تاريخ العرب . و في هذا الصدد، من العسير الفصل بين البيطرة و علم الحيوان في مسارين مختلفين في التراث العربي أبرز أعلام البيطرة و علم الحيوان عند العرب : لقد أجريت بحوث و دراسات متوالية و كثيرة من أجل إيضاح تطور و تقدم الطبابة البيطرية في عصر الحضارة العربية الإسلامية . و قد عُثِرَ على الكثير من المؤلفات المشهورة و التي تنسب إلى بعض المؤلفين العمالقة في هذا المجال من أمثال ابن أخي خزام و ابن العوام و أبو بكر بن المندحر البيطار و غيرهم . سنذكر هنا بعضاً من أهم علماء العرب الذين كتبوا في علم الحيوان و البيطرة, مرتَّبين وفق تواريخ ميلادهم : 1- الجاحظ : هو أبو عثمان عمرو بن بحرالجاحظ البصرى , ولد سنة 776 للميلاد , و الشىء الهامّ هنا أن الجاحظ عاصر العصر الذهبي للأمّة الإسلامية, عصر العلوم و الآداب و الفنون التي زخرت بها معاهد البصرة و بغداد و الكوفة و غيرها من مدن الإسلام, و كان حينها النشاط شديداً بشكلٍ ملحوظٍ في مجال التأليف والترجمة . يعد كتاب الحيوان -وهو من مؤلفات الجاحظ الأخيرة- أولَ كتابٍ وُضِعَ بالعربية جامعٍ في علم الحيوان , حيث أن من كتبوا قبل الجاحظ في هذا المجال أمثال الأصمعي و أبي عبيدة و ابن الكلبي و ابن الأعرابي و السجستاني وغيرهم, كانوا يتناولون حيوانًا واحدًا كالإبل أو الطير أو النحل, وكان اهتمامهم الأول و الأخير بالناحية اللغوية و ليس العلمية, و لكن الجاحظ اهتم إلى جانب اللغة و الشعر بالبحث في طبائع الحيوان و غرائزه و أحواله و عاداته. و لأن الجاحظ كان غزير العلم و مستوعبًا لثقافات عصره, فقد كانت مراجعه في كتبه تمتد لتشمل القرآن الكريم و الحديث النبوي و التوراة و الإنجيل و أقوال الحكماء و الشعراء و علوم اليونان و أدب فارس و حكمة الهند بالإضافة إلى تجاربه العلمية و مشاهداته و ملاحظاته الخاصة, و التي أدرجها في الكتاب بأسلوبٍ فريدٍ يدل على عالِمٍ فذٍّ في أمور الحيوان و كثيرٍ من الأمور الأخرى التي اشتمل عليها الكتاب من معارف طبيعيةٍ و فلسفيةٍ و سياسيةٍ و طبيةٍ و جغرافيةٍ , و مسائل فقهيةٍ , و شعرٍ و نوادر و فكاهة. 2- ابن أخي خزام : عاش العالِم أبو يوسف يعقوب بن أخي خزام في القرن التاسع الميلادي، و قد كتب كثيراً من المؤلفات في مجال تربية الحيوان و خاصةً تربية الخيل، و من مؤلفاته الشهيرة في مجال الطبابة البيطرية كتاب (الخيال و البيطرة)، و قد عُثر على نسخة مصورة من هذا الكتاب في إحدى مكتبات اسطنبول و لم يُعرف متى تُرجم إلى اللغة التركية، و قد نسخ عام 1536 م، و هو مسجل في المكتبة السليمانية تحت رقم 3535 و مقياسه 20*30 سم و عدد صفحاته 314 صحيفة .و مما يذكر أنه منذ مطلع القرن التاسع الميلادي أخذت حركة الترجمة إلى اللغة العربية بالتقدم و التطور، كما أن الطب عند العرب المسلمين بصورة عامة أخذ بالازدهار و التطور، و كان هذا التطور مشفوعاً دوماً بتطورٍ مشابهٍ في علم البيطرة .لقد حرص الخلفاء العباسيون آنذاك على تنشيط و تطوير المضمار العلمي، و كان من بين هؤلاء الخلفاء الذين ساعدوا على الرفع من مستوى العلم الخليفة العباسي السابع المأمون (813-838 للميلاد) و قد كان غيوراً على العلم و محباً للعلماء مثله في ذلك مثل الخليفة هارون الرشيد، و قد أسس المأمون أكاديمية العلوم في بغداد و ساعد على جمع و ترجمة الكثير من الآثار اليونانية . و قد قدم المكافآت للعلماء لقاء نشرهم للكتب العلمية، و كان يتعاون مع المعتصم من أجل جلب العلماء الأجانب و استهوائهم بغية الاستفادة منهم .و كذلك فإن الخليفة المتوكل (847-861 للميلاد) كان يشجع على الترجمة و يكافئ المترجمين و العلماء بمكافآت مادية مجزية، إذ أنه كان يعطي المترجم ذهباً بمقدارٍ يتناسب مع وزن الكتاب الذي تُرجم، و كانت الترجمة بصورة عامة تتم تحت إشراف حنين بن إسحق .و في مقدمة كتاب الخيال و البيطرة يذكر ابن أخي خزام بأن الحصان حيوان قيم، و يشير إلى أهمية تغذية و تطمير الحصان و معالجة العرج عنده .و من أقوال ابن أخي خزام الشهيرة في الحصان : "كنت قد جربت كل العلاجات المفيدة عندما أسمع بحالةٍ مرضيةٍ عند الحصان، و قد كنت أستفيد من جميع المصادر و المؤلفات القديمة، و قد كتبت هذا الكتاب الذي يضم ثلاثين باباً و بحثت في اعظمها في عيوب و مناقص الحصان الخلقية و المكتسبة و وجدت أن البغال و الحمير و الجمال حيواناتٌ مفيدة في الحروب، و لذلك فإني كتبت في معالجتهم و مشاكلهم كما أنني تطرأت في البحث عن الأغنام و الأبقار " .تعود الأقسام الأولى من الكتاب إلى علمٍ يدعى علم تدريب الخيل ، يليها بابٌ جيد في الولادة و مشاكلها ترك فيه المؤلف الاعتقادات الباطلة المتعلقة بالحمل و الولادة و لجأ إلى طرقٍ سليمةٍ و مبتكرة . و في باب المعالجة و المداواة يذكر المؤلف أنه استفاد من كثيرٍ من الأطباء اليونانيين، و حتى أنه يشير إلى مصادر الاستفادة أحياناً .و من المؤلفات الهامة أيضاً لابن أخي خزام كتاب (الفروسية) و هو أول كتاب باللغة العربية في موضوع الطبابة البيطرية . و عموماً نلاحظ أن هذا العالم العربي العملاق ليس مجرد مؤلفٍ نظري في مجال علم البيطرة، إنما هو بيطري اعتمد بشكلٍ كبيرٍ على تجاربه الشخصية في هذا المجال، و أفضل مثالٍ على ذلك طريقة معالجة الاستسقاء (الحبن)، بالإضافة إلى الأفكار الجديدة التي أدخلها في معالجة أمراض الحافر و القوائم، كما بين ضرورة عزل الحيوانات المصابة بخناق الخيل و الأغنام المصابة بالتهاب الظلف لكون هذه الأمراض ساريةً و قابلةً للانتقال إلى الحيوانات السليمة . - لم يُعثر إلى الآن على أي أثرٍ يخص علم الحيوان الطبابة البيطرية في القرنين الميلاديين العاشر و الحادي عشر . 3- أبو زكريا يحيى بن محمد بن العوام الإشبيلي : ولد في إشبيليا في القرن الثاني عشر الميلادي و كان مشهوراً جداً في مجال الزراعة و البيطرة، و لم يصلنا عن حياة ابن العوام إلا القليل, كما لم يصلنا إلا كتابٌ وحيدٌ له هو كتاب "الفلاحة", و ذلك بسبب ما عاصره ابن العوام من حروب أضاعت معظم إنتاجه الضخم. كتب ابن العوام كتابه الشهير (الفلاحة) في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، و تُرجم هذا الكتاب إلى اللغة التركية عام 1590 من قبل محمد بن مصطفى و يوجد نسخة من هذه الترجمة في المكتبة العامة باستانبول في قسم ولي الدين تحت رقم 2534 و يذكر Brocklmen أنه يوجد نسخة أخرى من هذه الترجمة في مكتبة بورصا العامة في تركيا. كما تُرجم الكتاب إلى اللغة الفرنسية في الفترة بين عامي 1864 و 1867 إلا أن هذه الترجمة كانت منقوصة و غير كافية. يقع الكتاب في 34 باباً، خصصت الأبواب الثلاثة الأولى و البالغ عدد صفحاتها 394 صفحة للبحث في علم الزراعة، أما الأبواب الأربعة الأخيرة فقد خُصصت للبحث في علم الطبابة البيطرية، و قد ركز ابن العوام البحث في الابواب الاخيرة حول العالم أرسطو و ديوسكوريدس و جالين و كيسينوس و القسطاس و الأصمعي و بصورة خاصة حول ابن أخي خزام . في الباب الحادي و الثلاثين من كتاب الفلاحة أي الباب الاول في طب الحيوان يبحث ابن العوام في موضوع الانتخاب و تحسين النوع عند الأبقار و الأغنام و الماعز كما يتعرض لمدد الحمل و لبعض الأمراض التي يمكن أن تصيب مثل هذه الحيوانات. و المعلومات المنشورة في هذا الكتاب حول انتخاب و انتقاء الأبقار الجيدة هي معلوماتٌ كافيةٌ و مفصلة، و يذكر المؤلف أن الأبقار يمكنها أن تلد مولوداً واحداً أو توأم، و يمكن اقتناء البقرة بغية الإنتاج لمدة خمس عشرة سنةً كما حدد العمر الذي يمكن أن تلقح فيه البكاكير و هو عمر سنة على الأقل فما فوق، و أن الابقار يمكنها ان تلد خمسة عشرَ بطناً على الأكثر خلال فترة حياتها كلها. كما قدر فترة الحمل بأنها تسعة أشهر و عشرة أيام و قد أشار إلى أن العقم ما هو إلا نتيجة للسمنة الزائدة، كما أشار إلى أن الثور الجيد يكفي لتلقيح عشرين بقرةً، و قد أعطى ابن العوام بعض النصائح حول معاملة الحيوان و تطبيعه بالطباع الجيدة و الهادئة.و بيَّن أيضاً أن الأبقار في المراعي يمكن أن تتعرض للاصابة بمرضين أساسيين أحدهما يشبه مرض النقرس و الآخر يشبه مرض الملاريا عند الإنسان, و قد أشار المؤرخ البيطري Smith إلى أن المرض الأول يمكن أن يكون الحمى القلاعية و الثاني التهاب الرئة الساري. هذا و قد تعرض لانتخاب الأغنام و تحسين أنواعها و قال يجب أن يتوفر في الصوف الطول و الكثافة و النعومة.و قال بأن مدة الحمل عند الاغنام خمسة أشهر، و أشار إلى أن بعض الأغنام الجيدة يمكنها أن تلد مرتين في السنة الواحدة و يمكنها أن تكون على شكل توأم و يمكن للغنمة أن تعطي 8-11 بطناً خلال فترة حياتها كلها و أن كبشاً واحداً يكفي لتلقيح 20-25 غنمة. و ذكر ابن العوام أن الخصي عند الأغنام يسبب السمنة و أن حليب الاغنام من أجود أنواع الحليب من أجل صناعة الجبن و يعقبه حليب البقر و الماعز، و يمكن للماعز أن تلد مرةً واحدةً و لكن إذا ما قدم لها الغذاء المناسب، و كان الجو معتدلاً فيمكنها أن تلد مرتين في السنة . و في الباب الثاني و الثلاثين يوضح ابن العوام عملية انتخاب الحيوانات الجيدة من أجل السفاد و يحدد فترة التلقيح و يقدر فترات الحمل و أعمار هذه الحيوانات و طرق تغذيتها، كما يبحث في علاجات العادات السيئة عند هذه الحيوانات، وقد ذكر بأن مدة الحمل عند الأتان هي 12 شهراً و يذكر أيضاً أن البغل ينتج حصيلةً لتلقيح الحمار للفرس. و مما يذكر في الكتاب أن مرض الرعام من الأمراض الخطيرة عند الفصيلة الخيلية، و قد بحث ابن العوام في الشروط الصحية التي يجب توفرها في حظائر الحيوانات، و في الباب 33 بحث في بعض أمراض الخيول مثل التهاب الملتحمة و جرب الجفون و معالجته و في أمراض الأنف و البلعوم و الشفاه و الآذان و التهاب اللثة و أمراض الأسنان و شلل العصب الوجهي و قد بين أن التهاب البلعوم من أهم أعراض مرض خناق الخيل الساري .هذا و قد أوضح ابن العوام الكثير من الأمراض التي كانت غامضة إلى حد ما في الدور الذي سبقه. و يشير ابن العوام إلى أنه استفاد من مؤلفات ابن أخي خزام كثيراً في كتابة قسم الطبابة البيطرية من كتاب (الفلاحة)، و خصوصاً فيما يتعلق بأمراض الحافر التي ضلع بها ابن أخي خزام . كما يشير إلى أنه لم يعتمد في هذا المجال على أيٍّ من المراجع البيزنطية و الرومانية . يقول المؤرخ البيطري Smith أن كتاب (الفلاحة) هو من أفضل و أجود الآثار العلمية التي كتبت في القرن الثاني عشر في مجال طب الحيوان . و يشير العالم Brocklmen إلى أن أفكار ابن العوام تقارب أفكار اليونانيين القدماء . و يذكر Froehner بأن ابن العوام استفاد من المصادر اليونانية و الرومانية و العربية القديمة، و أنه ذكر بذاته أنه وفَّق بين أفكار العلماء الذين سبقوه و بين أفكاره و آرائه الذاتية. و يمكن القول أن كتاب ابن العوام في مجال تاريخ الزراعة و البيطرة هو من أهم المصادر العلمية التي صدرت في القرن الثاني عشر في مجال علم الحيوان و البيطرة، فقد كان المرجع الأساسي في أمراض الحافر في عصر الحضارة الإسلامية، كما أعطى معلوماتٍ صحيحةً في علم تربية الدواجن، و كان نادراً ما يؤمن بالخرافات و الأفكار الباطلة . 4-القزويني : هو زكريا بن محمد بن محمود القزويني، يرجع بنسبه الى الإمام أنس بن مالك . ولد القزويني في العراق (قزوين) و عاش ما بين 1203-1283 للميلاد , و قد عمل قاضياً, و يعتبر القزويني من العلماء البارزين في هذا العصر . وضع القزويني كتاباً سماه (عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات) تعرض فيه فيما تعرض للبحث في الحيوان . و قد بحث الكتاب في الكثير من العلوم الأخرى كالفلك و البحار و البيئة و النباتات و الجغرافيا و غير ذلك من العلوم . و على الرغم من عدم تخصص الكتاب بالبحث في الحيوان إلا أنه شكَّل وثيقةً هامةً في مجال معرفة خصائص الحيوانات و عاداتها و طباعها . 5- عبد المؤمن الدمياطي : ولد في دمياط عام 1217 للميلاد و عاش في مصر , عمل أستاذاً في المدرسة المنصورية التي أسسها السلطان المملوكي المنصور قلاوون الذي حكم بين عامي 1279 و 1290 للميلاد, و كان باحثاً اجتماعياً في موضوع العادات و التقاليد, و من أهم ما تركه من مؤلفات كتاب (فضل الخيل), و فيه قام بالبحث حول كل ما يخص الخيل, ففي الجزء الأول يبحث في قيمة الخيول المقدسة التي تشترك في الحروب, و في الجزء الثاني يشير إلى منع خصي الخيل, و في الجزء الثالث يبحث في انتخاب الخيول و يوضح الأثواب المفضلة عندها, و في الجزء الرابع يبحث في العلامات الفارقة التي تدل على الشؤم عند الخيل, و في الجزء الخامس يتحدث المؤلف عن منع السباق من أجل المكافآت بين الحيوانات ما عدا الخيول و الإبل, و في الجزء السادس يشير إلى الغنائم و كيف تعطى للأوائل, و في الجزء السابع يتحدث عن إعفاء خيول المسلمين من الضرائب, أما في الجزء الثامن فيذكر أسماء خيول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم . إذن فمن الواضح أن كتاب (فضل الخيل) كان من الكتب التي ظهر فيها تخصصٌ واضحٌ في الحديث عن نوعٍ حيوانيٍ معينٍ دون غيره, و ذلك على عكس بعض المؤلفات الأخرى التي نتناولها بالبحث . 6- الملك الأشرف عمر الرسولي : هو الأشرف عمر بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول، ثالث سلاطين الدولة الرسولية التي أسسها جده نور الدين عمر بن علي بن رسول في اليمن عام 1229 للميلاد . ألَّف الأشرف عمر كتاب (المغني في البيطرة) الذي توجد منه ست نسخٍ مخطوطة ثلاثٌ منها في الفاتيكان و واحدة في مكتبة أمبروزيانا بميلانو و واحدة في مكتبة المخطوطات بجامعة الكويت و الأخيرة في مكتبة سمو سيف الإسلام عبد الله . تدل محتويات الكتاب على معرفةٍ فريدةٍ لدى المؤلف بعلم الحيوان و البيطرة، و أغلبُ المعالجات المذكورة مخالفةٌ جداً لكتب البيطرة الأخرى حيث اعتمدت بشكلٍ رئيسيٍ على التجارب الشخصية للمؤلف في علاج أمراض الحيوان . يضم الكتاب تسعين باباً خُصِّصت الأبواب الأربعة الأولى لذكر الخيل و أسمائها و صفاتها، و بدءاً من الباب الخامس يعرض المؤلف أمراض الخيل و علاجاتها و أدويتها حتى الباب السادس و السـبعين، ثم ينتقل إلى الحـديث عن البغال و الحمير والإبل و الجمال و الأبقار و الضأن و الماعز . 7- المجاهد علي الرسولي : هو علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول، و كان السلطان الخامس الذي حكم اليمن من سلالة الرسولي، و هو ابن أخ الملك الأشرف عمر الرسولي، و قد دام حكمه من عام 1321 حتى عام 1362 للميلاد، و كان شاعراً و عالماً و محباً للعلم و العلماء، و قد كتب كتابه المشهور (الأحوال الكافية و الفصول في علم البيطرة) و قسمه إلى ستة أقسام يتعرض فيها لأصول التكاثر و التناسل عند الحيوانات كالخيل و البقر و الأغنام و الجاموس و الجمل و الحمار و الفيل، كما يبحث في أصول تربيتها و رعايتها . و يتميز هذا الكتاب بقيمة عالية من ناحية علم الحيوان و تربيته بسبب تعرضه المفصل للفيل و الجمال لأن هناك عالماً معاصراً للمجاهد علي الرسولي هو أبو بكر بن بدر الدين بن المندحر البيطار كان قد خصص كتابه (الناصري) للبحث حول الحصان . و قد أفرَدَ المجاهد علي الرسولي كتاباً آخر للحديث عن الخيل و كل ما يتعلق بها،و هذا الكتاب هو (الخيل و صفاتها و أنواعها و بيطرتها). و في عام 1327 بحث الرسولي في المرض الذي حل بخيول اليمن آنذاك و قد أكد على أنه طاعون الخيل و قد استفاد في تأليف كتابه من مصادر عربية بحتة و من تجاربه الشخصية الناجحة . و قد ترجمت بعض أقسام الكتاب إلى اللغة الفرنسية في عام 1860 من قبل الكاتب المؤرخ A.Perron . 8- أبو بكر بن بدر الدين بن المندحر البيطار : من أعظم الأطباء البيطريين في عصر الحضارة الإسلامية (العصور الوسطى)، و قد عاش بين عامي 1293 و 1341 للميلاد . و كتب أثره الشهير (كامل الصنعتين البيطرة و الزردقة ) الذي شهد به علماء التاريخ الغربيون بأنه أفضل كتاب بحث في مجال الطب البيطري في ذلك العصر, و الاسم الذي اشتهر به هذا الأثر هو (الناصري) بسبب إتحافه للملك الناصر، و هو يبحث في علم البيطرة و علم الحصان . و يذكر في كتاب (قاموس العالم) أن بدر الدين البيطار من العلماء المشهورين في الطب البيطري، و كان قد أمضى حياته في مصر تحت تصرف الملك الناصر. كما أنه كتب كتاباً يحتوي على فصلين و عشرة مقالات حول البيطرة الفنية، وَصَف فيه الفرس الجيدة من أجل التوالد و التناسل و بيَّن طرق انتخابها و كيفية تربيتها و رعايتها، كما يبحث في أمراضها و الأدوية المستعملة من أجل علاجها. و قد تم العثور على نسخة كاملة من الكتاب المذكور (الناصري) في إحدى مكتبات بورصا في تركيا و هو مسجل تحت رقم 1122 . و يوضح المؤلف أنه استفاد من علماء عربٍ وبعض العلماء اليونانيين من أمثال أرسطو Aristo و هرمس Hermes و هيبوقراط Hipokrat و ابن أخي خزام و غيرهم . 9- كمال الدين الدميري : عاش بين عامي 1344 - 1405 للميلاد, و هو عالمٌ مصريٌ اتجه نحو كتابة الموسوعات العلمية و هو خريج كلية الشريعة في مصر, و قد ألَّف أثراً ضخماً أسماه (حياة الحيوان), و ذلك عام 1372 للميلاد, و بحث في كتابه في مواضيع الحيوانات الخيالية و الحقيقية, و في الكتاب ما ينوف عن تسعمائة نوعٍ من الحيوانات بيَّن الكاتب أسماءها و فصائلها و طبائعها مع وصفٍ عامٍ لها و ما يُروى عن خصائصها . و يُعتبر الكتاب موسوعةً في عالم الحيوان، تناول فيه مؤلفه الكلام عن الحيوانات على أنواعها ٍ: البرية التي تعيش على اليابسة سواءً كانت من ذوات القوائم أم من الزواحف، ومن الفقاريات أم من الحشرات و الرخويات , و بعض الأحياء المائية و بعض البرمائيات التي تعيش على اليابسة و في الماء معاً ، ثم الطيور على أنواعها .و قد رتب أسماء الحيوانات على اختلاف أنواعها و التي تناولها بالوصف والإيضاح على حروف المعجم، و بلغ عدد الحيوانات التي تناولها 1098 نوعاً مختلفاً.و الكتاب فضلاً عن كونه موسوعةً في عالم الحيوان، فهو يشتمل على معارف كثيرةٍ في اللغة، و الأدب و الفقه و الحديث و التاريخ و الحِكَم التي تُروى على ألسنة الحيوانات، و الأمثال التي يتناقلها العرب منذ القدم، و المستوحاة من طبائع الحيوان و سلوكه و عاداته و غير ذلك. و يُعدُّ الكتاب مرجعاً لغوياً لأسماء الحيوانات و الطيور و الأسماك، فعندما يتناول المؤلف الكلامَ عن الحيوان يذكر اسمه أولاً و اشتقاق اسمه، و ما يُعرف به أيضاً من أسماء أخرى و مرادفاتٍ لاسمه، والمفرد و الجمع، و المذكر و المؤنث منه، و اسم أو أسماء صغاره
إرسال تعليق